ثقة المواطن والمقاومة الذاتية للرقمنة الحكومية

  •        بقلم : فريد شوقي

    لاشك أن التوجه نحو الحكومة الإلكترونية لم يعد بمثابة نوع من الخيار المتاح أمام الأجهزة الحكومية لتطوير وتحسين خدماتها وإعادة بناء الهيكل المترهل للمؤسسات والجهات الحكومية والتي تعمل بشكل منفصل لا يتيح أي فرص للتكامل أو التعاون مع المؤسسات الأخرى علاوة على دورها في تحسين الصورة السيئة الموجودة لدى المواطن تجاه كل الخدمات الحكومية .

    وإذا كنا جاز لنا أن نشيد بنجاحنا على مدار السنوات العشرين الماضية في إطلاق نحو عدد من الخدمات من خلال الإنترنت بجانب إطلاق خدمة أنظمة السداد عند الاستلام وأصبحنا الآن في المركز الـ 23 عالميا في مجال خدمات الحكومة الالكترونية  ، متخطين العديد من الدول العربية والأفريقية وحتى الأوروبية ، فإن هذا لا يعني أن ضرورة الإشارة إلى أن هناك نسبة كبيرة من المواطنين لا يعلمون شيئا عن خدمات الحكومة الإلكترونية كذلك فإن العديد من الجهات الحكومية لا تعلن عن الخدمات التي تقدمها أون لاين .. ناهيك عن كونها لم تفعلها بعد بالإضافة إلى عدم وجود معايير لقياس مدى جودة الخدمات الحكومية الرقمية ومدى اتساقها ومواكبتها مع ما يحدث في هذا المجال على المستوى العالمي .

    ولسوء حظي فإنني اضطر سنويا إلى الذهاب إلى مجمع القطامية لسيارات النقل لإجراء عملية ترخيص لسيارتي " دودج رام 5600 " ، والتى تنتجها  شركة كرايسلر الأمريكية ،  وطبعا ادارة المرور ترفض منح الترخيص  "ملاكي" لهذه السيارة رغم علمهم التام أنها لا تستخدم في النقل مطلقا وهو ما يشكل بالفعل مصدر شقاء لجميع ملاك هذه النوعية من السيارات وضرورة تعاملهم مع أكثر من 5 جهات حكومية للحصول على التراخيص بل والأغرب أن إدارة المرور تصر أن يكون الترخيص سنويا وليس كل 3 سنوات على غرار ما يتم مع السيارات الملاكي علما بأن تكلفة التراخيص تكون أضعاف تكلفة التراخيص للسيارة الملاكي .

    وتبدأ رحلة التعامل مع الجهات الحكومية لترخيص النقل بداية من مكاتب  هيئة التأمينات الاجتماعية وما أدراك ما هى هذه النوعية من المكاتب والعذاب الذي يواجه كل من يتعامل معها بداية من غلاسة وقلة ذوق الموظفين.. ناهيك عن عدم وجود أي ملمح للتحول الرقمي أو استخدام الحلول التكنولوجية وكأنك تتعامل مع مكاتب من العصر الحجري ، بالمعنى الحرفي للكلمة ، بل والمدهش أنك مضطر للتعامل تقريبا مع كل موظفي المكتب نحو 6 موظفين بـ 6 طوابير للحصول على ورقة واحدة " وهى تأمين سائق ، هذا منتهي العبث .

    ونصل للمرحلة الثانية وهى التعامل مع مصلحة الضرائب وطبعا ما ادرك ما هذه المصلحة فرغم كل الحديث عن منظومة تطوير الضرائب إلا انه ، وقولا واحدا  ، فعلى أرض الواقع لا يوجد شىء يفيد المواطن فأولا لا تستطيع للذهاب للمامورية قبل الساعة العاشرة صباحا حتي يصل الموظفون وللحصول على ورقة سدادك للضرائب عليك التعامل مع 6 موظفين ، منهم من يجلس على مكتبه  ومنهم من تضطر للبحث عنه فى أورقة المأمورية ، وعلى غرار  مكاتب التامينات فإن هناك حالة خصام للتكنولوجيا في ماموريات الضرائب .

    وبعدها تبدأ مرحلة الحصول على شهادة مخالفات المرور ورغم انني اعتدت قمت استخراجها ودفعها بصورة إلكترونية إلا أنها عادة تستغرق بين 4 – 6 أيام لتصل إليك مما دفعني للذهاب إلى مجمع القطامية للسيارات الملاكي وهو في الحقيقة نموذج ايجابى لما نتحدث ونسمعه عن التحول الرقمي وتحسين الخدمات الحكومية للمواطن فخلال 10 دقائق فقط ومن خلال التعامل مع موظف واحد فقط أمامه شاشة كمبيوتر حصلت على الشهادة ودفعت الرسوم والغرامة وكل شيء انتهى من شباك واحد ..والسؤال اذا كنا قادرين ونستطيع كسب ثقة المواطن ونجحنا في ذلك بامتياز فلماذا لا نعمم التجربة في جميع الجهات الحكومية التى يضطر المواطن للتعامل معها ؟

    ثم نأتي للخطوة الاصعب في تراخيص السيارة وهي الذهاب إلى مرور القطامية لسيارات النقل وما ادرك ما هذا المكان الذي لم تمتد إليه يد التطوير من عقد كامل ، منذ اضطررت للتعامل معه ، ولن أتناول حجم عدم التنظيم بالمكان ، ولكن ساركز على حجم المعاناة وأنك مضطر إلى التعامل مع 9 موظفين  ، كل في مكتبه والوقوف في 9 طوابير ، قبل ان تستطيع تقديم اوراقك إلى الموظف المسئول وتسليم أوراقك والانتظار إلى انتهاء مراجعة  الموظف المختص ثم الذهاب إلى الدفع والانتظار ساعتين لاستلام الرخصة حيث يستغرق الأمر نحو 6 ساعات بالكمال والتمام ..

    معقول في الوقت الذي ينادي به الرئيس عبد الفتاح السيسي ـ رئيس الجمهورية بضرورة تبني كل الجهات الحكومية لحلول التحول الرقمي والتيسير على المواطن في تقديم الخدمات الحكومية إلا أنه يبدوا أن هناك الكثير من الجهات الحكومية التي لم تصلها رسالة الرئيس بل والأدهى من ذلك انها تشكل نوعا من المقاومة الذاتية وتعمل عكس كل ما تقتضيه عملية " الرقمنة " لتطوير الخدمات الحكومية للمواطنين وتوفير الوقت والمجهود للحصول على الخدمات الحكومية.. ناهيك عن فقدان الثقة في كل ما يعمل بطريق إلكترونية أو الحكومة الرقمية .

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن