ما بعد " كورونا " .. واستعادة التنمية الاقتصادية

  •       بقلم : نضال أبو زكي

           المدير العام لمجموعة أورينت بلانيت

     

    بضربة واحدة بدأ وباء كورونا بقطع طريق النمو الاقتصادي، ووضع حكومات العالم أمام تحدياتٍ جديدة غير مسبوقة، حيث عبر فيروس كورونا المحيطات، وأفسد أحداثاً اقتصادية وتجارية ورياضية وفنية في العالم أجمع، ولطالما كان الاقتصاد الأمريكي يسير بوتيرة تصاعدية خلال الفترة الماضية، خصوصاً بعد القفزات النوعية التي حققها النشاط الاقتصادي في أمريكا. واصل وباء كورونا انتشاره في العالم وتفشى بشكلٍ كبير في الولايات المتحدة الأمريكية مُخلفاً وراءه تداعيات اقتصادية كارثية.

     

    وكان هذا هو محور الحديث التليفزيوني. مع برنامج "رؤية اقتصادية" إذ أتت أزمة كورونا لتشكل اختباراً حقيقياً لإدارة الرئيس دونالد ترامب، وللنظام الاقتصادي الأمريكي، حيث أتت هذه الأزمة في وقت لم يكن أحد من المحللين يتوقع وجود أي أزمة، حيث كان الاقتصاد الأمريكي يشهد تطورات نوعية وقفزات نوعية، برأيي أن الرئيس قد أخطأ في البداية في التقليل من هذه الأزمة حيث استهان بها قبل أن يدرك حجم الكارثة التي جلبها هذا الوباء إلى المجتمع الأمريكي والاقتصاد الأمريكي، وأتت الخطوات التي قام بها متأخرة ومربكة منذ البداية، الأمر الذي أدى إلى العديد من الاختلاف في وجهات النظر مع حكام الولايات، والى ظهور هذا الصراع على وسائل الإعلام، كما أعتقد أنه سوف يخطئ مجدداً في الوقت الحاضر بالتسرع بفتح الولايات المتحدة الأمريكية أمام الحركة الطبيعية وعودة الحياة الاقتصادية، وذلك قبل انتهاء هذا الوباء.

     

    أما من ناحية التبعات الاقتصادية لأزمة كورونا في الولايات المتحدة، من الناحية الاجتماعية تحولت الولايات المتحدة إلى بؤرة لهذا المرض وأدى إلى إرباك شديد في النظام الصحي الأمريكي وإلى شبه توقف في الحركة الاقتصادية، يتوقع أن تصل خسائر الولايات المتحدة من وراء هذا الوباء إلى 5 تريليونات دولار، وهو رقم غير مسبوق، ويعد كارثيا بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، حيث لم تشهد هذه الدولة مثل هذا التحدي منذ أكثر من 100 عام، منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات ويتوقع أن يصل عدد العاطلين عن العمل إلى حوالي 45 مليون شخص، ويتوقع أن يتراجع الناتج المحلي الأمريكي بنسبة تصل إلى 30%، الأمر الذي سيشكل ضغطاً غير مسبوق على الإدارة الأمريكية في تأمين الوظائف وتأمين لقمة العيش للعديد من الأمريكيين، وتحويل جيل كبير من الأمريكيين إلى عاطلين عن العمل في العديد من القطاعات،  فعلى سبيل المثال في مجال صناعة السفر وحدها، ستزيد الخسائر عن 350 مليار دولار، وفي هذا المجال ستبلغ نسبة العاطلين عن العمل حوالي 4.5 مليون عامل، في المجمل ستكون هناك خسائر هائلة في الاقتصاد الأمريكي قد تحتاج لأكثر من 10 سنوات لتعويضها.

     

    بالنسبة لشركات الطيران هناك خسائر يومية تزيد على 60 مليون دولار نتيجة التوقف شبه الكامل لحركة الملاحة الجوية. المشكلة أن هناك أزمة ثقة بين القائمين على الصناعات الأمريكية والإدارة الأمريكية، الأمر الذي سيخلق العديد من المشاكل الاقتصادية على المدى الطويل.

     

    من ناحية البورصة تعرضت البورصة الأمريكية لخسائر كبيرة فادحة حيث انهارت بورصة وول ستريت، وسجّل مؤشّرها أسوأ جلسة له منذ الانهيار المالي فى 1987 بخسارته 10% من قيمته، كما هوت أسعار النفط إلى أدنى مستوىاتها منذ 18 عاماً.

     

    وعن كيف يمكن لأمريكا أن تخرج من هذه الأزمة وهذا الركود الاقتصادي؟ أوضح أنه في البدايةً قبل أن نتحدث عن الخروج من هذه الأزمة والركود الاقتصادي، يجب علينا أن ندرس كيفية الخروج من السيطرة على انتشار فيروس كورونا والوصول إلى نقطة التوازن أي مرحلة الانحدار وانتهاء الفيروس حتى نتمكن من الحديث عن الركود الاقتصادي ومعالجة تبعات الأزمة، في الوقت الحالي تسجل الولايات المتحدة أعلى معدلات الإصابة في العالم بصورة يومية، وقد خرج هذا الوباء عن السيطرة.

     

    أعتقد أن ما يجب أن تفعله الولايات المتحدة هو كما فعلت الصين حيث يتم إقفال كامل لمدة أسبوعين أو ثلاثة حتى تقضي على ظاهرة الانتشار ثم تعود القطاعات الاقتصادية إلى العمل بصورة تدريجية، وهذا يعطي الاقتصاد الأمريكي جرعة انعاش للنهوض من جديد.

    إن إحداث تغيير نوعي في طريقة الانفاق من جانب الاقتصادات الكبرى هو المفتاح الرئيسي لإنعاش نمو الاقتصاد العالمي وإعادة الثقة إلى المستثمرين. لا يمكن معالجة تبعات كورونا بالعودة إلى الأنظمة الاقتصادية التي كانت موجودة قبل أزمة كورونا.

     

    لقد بدأت الحكومة الأمريكية باتخاذ إجراءات لدعم الاقتصاد الأمريكي حيث أعلن مجلس الاحتياط الفيدرالي عن حزمة من الإجراءات منها مثلاً تخفيض سعر الفائدة على المدى القصير إلى ما يقرب من الصفر، كما أعلن عن استعداده لشراء ما لا يقل عن 700 مليار دولار من سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، وفي بعض مرافق التمويل الاحتياطي الفيدرالي، وضعت الخزينة الأمريكية 10 مليارات دولار كرأسمال ممتص للخسائر لكل 100 مليار دولار من القروض، كما حصلت الخزينة الأمريكية على حوالي 450 مليار دولار إضافية من الكونجرس كجزء من حزمة تحفيز أمريكية بقيمة 2.2 تريليون دولار لمواجهة تداعيات الأزمة.

     

    إذاً بداية الخروج من هذه الأزمة تكون أولاً بـ وقف تفشي الوباء، وإعادة فتح المصانع والمؤسسات الأمريكية، ثم معالجة مشكلة البطالة ومن ثم العودة إلى دورة الحياة الطبيعية، إذ برأيي ضرورة مراجعة السياسة الاقتصادية الأمريكية التي كانت تركز فيما مضى على اقتصاد البالون أو اقتصاد البورصة وول ستريت الأمر الذي أضعف الصناعات الأمريكية لمصلحة الصين.

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن