أسيوط هبه أهلها

  •  

    كتب : دكتور هبه صالح 


    مصر هبة النيل" المقولة الشهيرة التي أطلقها هيرودوت، ثم كان د.سليمان حزين أول من كشف عن قصور المقولة وصححها قائلا "مصر أيضا هي هبة المصريين" موضحا أن حضارة مصر ليست هبة النيل، وإنما هي ثمرة جهد الإنسان على أرضها الطيبة. كان د. سليمان حزين نفسه دليلا على هذه المقولة، فهو ليس فقط أحد أعمدة مصر الثقافية والجغرافية، وانما أيضا أحد المصريين المجاهدين بالعلم على أرضها، كان أول رئيس لجامعة أسيوط. بداية معرفتى به، عندما استوقفني اعجابا ما سمعته عن إصراره نحو عدم قبول أي طالب بالجامعة الا بعد الانتهاء من منشاتها ومعاملها وجميع متطلباتها الدراسية. اعلاء قيمة الجودة والاتقان كان هبه القائمين على المشروع انذاك لمصر ولأسيوط لتبقى حتى اليوم جامعة أسيوط الأم، أ أحد أجمل الجامعات المصرية من حيث التصميم العام وتناسق المباني والمساحات الخضراء. وأكثر الجامعات تميزا بكوادرها، فلم يكن غريبا أن بدرج عدد 19 عالم من جامعة أسيوط في تخصصات كيميائية وفيزيائية وهندسية وطبية ضمن ترتيب أفضل
    ٥2%‏ من إجمالي العلماء على مستوى الجامعات والمراكز على مستوى العالم في الدراسة التي نشرتها جامعة ستانفورد من سنوات قليلة. وليس بمفاجأة لأن نجدها حتى اليوم مقصدا لمن يبحث عن أعلام في تخصصات طبية مثل تخصص العظام، وجراحة الأوتار، وغيرها. بل أن رئيس الجامعة الحالي نفسه أ.د. أحمد المنشاوى أحد الخبراء المصريين

    في جراحة قلب الأطفال، هو من أنشأ وجهز وشغل وحدة جراحة قلب الأطفال في مكة المكرمة قبل أن ينقل هذه الخبرة الى مصر في المنيا وأسيوط. أثق بوجود العديد في مجالات أخرىي، دلل على ذلك ادراج.

    وحتى ما سمعته عن نسب رسوب تحدث لأول مرة في أحد الكليات الطبية، وبعد التفسير الذى أعلنته الجامعه والخاص بتأثر النتيجة بنتائج الوافدين من دول تأثرت بالحروب المحيطة بنا، أرى هذه النتيجة مؤشرا للإصرار الجامعة على تطبيق معايير جادة لمن يستحق الاستمرار، حتى ولو تأثر الاختيار بظروف استثنائية أحسبها مؤقتة.

    أسيوط أيضا هبه أهلنا وأجدادنا القدماء، فهم من تركوا لنا من آليات ارسائهم للعدل، حيث أقدم محكمة لمشاكل الرعية ووثيقة لأحد قضاياها القانونية والتي عثر عليها في أحد جبانات جبل أسيوط الغربى. وهم أيضا من وهبونا

    من نسائم الحرية حيث كانت أول معركة ضد الهك س من مدينة القوصية قديما، وهبونا حديثا معانى ال٢‏عندما تصدى بنو عدى في.١‏ الحديث للفرنسيين، والذين لم يستطيعوا أمام مقاومتهم الباسلة دخول أسيوط الا بعد صعودهم جبلها، واستخدامهم للمدافع لسحق المدينة، في بوا لنا أرواحهم ويتركوا لا يوم 18 ابريل – اليوم القومى لمحافظة أسيوط والذى تشهد على ذكراه مقابر الاف من بني عدى موجودة مزارا حتي يومنا هذا.

     

    وليس كل الموروث هبات، فكما وهبنا أجدادنا آثار عديدة في القوصية وأبنوب والبدارى وساحل سليم والفتح ومنفلوط والغنايم والبدارى وغيرها من مدن أسيوط. كان منا أيضا من تركها، بل وأهملها جهلا كما حدث منذ

    سنوات عندما فجرت لوحة مدينة اخناتون خطنا بواسطة بعض العمال في أحد مناجم ديروط، وهى اللوحة التي قدرها بعض الخبراء بألف زهرة خشخاش في قيمتها. وكما وهبها السابقون من أهلها ما يربو عن الألف قصر

    فعرفت في وقت ما بأسيوط مدينة القصور، والتي في كتاب باللغة الإنجليزية تحتفظ به مكتبة الكونجرس الأمريكية. تركها اللاحقون واندثر الكثير وبقي ما يقل عن المائة. رأيت منهم قصر ألكسان باشا المطل على النيل

    في شيخوخته التي لم تخفى بعد بعضا من فتنة شبابه، وكذلك رمزا متعبا لازال موجودا في بنى مرة حيث منزل جمال عبد الناصر، وتلك مدرسة بنيت على أطلال منزل عمر مكرم.

     

    من قلب مدينة أسيوط، كانت الزيارة الأخيرة مع معالى وزير الاتصالات، والتي حرصنا فيها فريق معهد تكنولوجيا

    المعلومات على القاء الضوء على حصاد اخترت له عنوان "النفس الطويل والبناء التراكمى"، وقمنا بعرض نتاج مجهودات الوزارة وأسرة المعهد وقياداتها منذ بدايته وعلى مدار ما يقرب من 17 سنة من النفس الطويل والتطوير

    المستمر في البرامج وآليات تنفيذها وقنوات خلق فرص عمل وابداع. من أسيوط انطلقت كثير من البرامج التقنية ذات الطلب العالى من الأسواق، ومنها أيضا وبعد توقف العمل في شركات أسيوط التكنولوجية عقب ثورة يناير،

    والذى مثل تحديا حقيقيا، تحول دافعا لفريق العمل للبحث عن مخرج يحافظ على مؤشرات برامجنا المرتبطة بخلق فرص عمل، فكنا أول المؤسسات التي درست وصممت وأطلقت مبادرة لتشجيع العمل الحر وجعله متطلبا أساسيا

    يجب أن يحققه متدربو المعهد قبل تخرجهم. آلاف من كوادر أسيوط وأبناء بعض المحافظات المجاورة، منهم من امتهن حرفة البرمجة على منصات العمل الحر، ومنهم من يعمل عن بعد من داخل محافظته لصالح تتركات داخل

    وخارج مصر، وغيرهم ممن أسسوا شركاتهم وعادوا للتواصل مع المعهد بأفكار ومقترحات وفرص جديدة، ليساهموا في استمرار رحلة بناء وتطوير ويهبوا لأسيوط ولمصر من خبراتهم ومجهوداتهم.

    تضمنت الزيارة شركات واعدة ومتميزة اتخذت من المنطقة التكنولوجية بأسيوط مركزا لها (برايت سكايز وسويفت أكت واجادة) في تخصصات الالكترونيات والأنظمة المدمجة والأنظمة الذكية وتطوير البرمجبات، وكذلك ومن

    داخل مدينة أسيوط كل من شركة انفورماتيك وشركة بترا من مقدمى حلول تكنولوجيا التعليم ونظم الموارد المؤسسية وتطبيقات التقنيات المفتوحة ال لعملاء من مختلف الدول العربية وعدد من الأجنبية بقيادة اسيوطية لمنات من شابات وشباب الصعيد، من 80-50 من قوة هذه الشركات تلها خريجو تكنولوجيا المعلومات في أسيوط. والشكر والتقدير في ذلك لقيادات فريق المعهد بأسيوط بداية من م محمد عبد اللطيف سابقا، وطبعا مع

    الإدارة الملهمة بقيادة أخى في الدرب، م أيمن عياد وفريق العمل الجاد المخلص من شباب المعهد. صورة مبهجة لطالما كانت لى ولفريق العمل باعثة على الامتنان والشكر لله دوما، وفرحة بأمس، ومسئولية لغد، ومع هذه الصورة التي أتمنى أن تضم في اطارها ملايين من شباب مصر، أجدها تدفع بمزيد من الأحلام الممكنة والمستحقة لشبابنا وأولادنا، فأجدنى أستعيد صورة أسيوط المركز التجارى القديم بدربها الأربعينى واصلا إياها بجنوب وغرب أفريقيا، جاعلا منها رمانة ميزان تجارى وثقافى ودينى يلتقى عندها التجار والمتصوفون والحجاج.

    أتخيلها اليوم وقد عادت مركزا حيويا، مليئا بالالاف من مبدعيها الأطباء والكيمائيين والمهندسين والمبرمجين ومحترفي التكنولوجيا ورواد الأعمال. فتعود أسيوط المدينة الجميلة بسياحتها التعليمية، والدينية الإسلامية والمسيحية، وبصماتها الإنتاجية الطبية والزراعية والصناعية والتقنية .... لتعود المقولة اسما على مسمى "أسيوط هبة أهلها". أهلها القادرون على توريث النافع الجميل المستدام... ليس بالنيل فقط تحيا مصر... بل بناسها.. كل ناسها. متناغمون سويا وكل في مكانه.

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن