القرار رقم 53

  •    بقلم : د . ياسر بهاء

    سُئل أحد الناجحين عن سر نجاحه وتحقيقه لإنجازات عديدة وفي مجالات مختلفة مقارنة بمن هم في ظروفه الذي بدأ بها حياته فأخبرهم أن ما أحدث الفارق في حياته مؤخراً هو "قراراته الصحيحة" والتي بطبيعة الحال ستأتي بنتائج وفقاً أو أفضل لما تم التخطيط له. ثم سُئل مرة أخرى وما هو السبب وراء قراراتك الصحيحة فأجاب بكل ثقة "الخبرة، وقبل أن تسألني من أين حصلت على الخبرة فإني أخبرك بكل وضوح أن السبب الرئيسي وراء تلك الخبرة الواسعة هو "القرارات الخاطئة".

    هل وجدت لاعب كرة قدم يتوقف عن التسديد على المرمى بعد أن يُخطئ التسديد؟ هل سمعت من قبل عن أحد شعر بالندم بعد الوصول إلى مبتغاه نتيجة تكرار المحاولة تلو الأخرى؟ هل رأيت أحد رجال الأعمال يتحدث عن نجاحاته أكثر من قصص فشله والإحباطات التي تعرض لديها في رحلة نجاحه؟

    مما لا شك فيه أننا نحزن أو نشعر بالإحباط بعد اتخاذ أي قرار خاطئ – وهذا طبيعي – فلن يكون مصدر سعادة لنا أبداً أن نتخذ قرارات خاطئة ولكن هناك من يعتبر القرار الخاطئ هو بداية عدم اتخاذ قرارات أخرى على الإطلاق وهناك من يظل في مرحلة الندم والإحباط فترة طويلة وقد يصل البعض إلى التشكيك في قدراته الذاتية على اتخاذ أية قرارات صائبة فيترسخ اعتقاده بضعف إمكانياته يوماً بعد يوم.

    دعني أخبرك أولاً أن هناك العديد من المقالات والآراء تحدثت عن أن اتخاذ القرار الخاطئ أفضل من عدم اتخاذ قرار من الأصل. وذلك للأسباب التالية:

    -عدم اتخاذ قرار يضمن عدم تغيير الوضع الحالي ولكن اتخاذ قرار خاطئ قد يحتمل التغيير أو عدم التغيير.

    -اتخاذ القرار الخاطئ يسهم في تعلم شيء عكس عدم اتخاذ القرار.

    -تجنب اتخاذ القرار لا يساعد في تقليل مخاطر اتخاذ قرارات خاطئة مستقبلية في حين أن اتخاذ قرار خاطئ سيساعد على عدم اتخاذ نفس القرار الخاطئ مستقبلاً والذي قد يكون أكثر كلفة فيما بعد.

    -تقوية عضلة اتخاذ القرارات بغض النظر عن النتائج.

    -إزالة الرهبة التي تُصاحب عملية اتخاذ القرار.

    -القرار الخاطئ قد ينتج عنه نتائج غير جيدة ويجب التعامل معها ومن هنا يتم تطوير بعض المهارات ووجهات النظر التي لم تكن لتتطور في حالة عدم اتخاذ أي قرار.

    ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أن هناك بعض الحالات التي يكون فيها عدم اتخاذ قرار هو الأفضل وذلك عندما تكون نتائج القرار الخاطئ ذات عواقب وخيمة لا يمكن تحملها أو أن تكون نسبة نجاح القرار ضعيفة جداً أو أن أفضل النتائج الممكن حدوثها أقل تأثيراً من عدم اتخاذ قرار على أية حال.

    إذاً ما هي الأسباب في عدم اتخاذ القرار في بعض الأحيان؟ قد نحصل على الإجابة فيما يلي:

    اعتدنا في طريقة تفكيرنا كبشر أن نسعى دائماً للحصول على المتعة وتجنب الألم ويكون الخوف من الألم هو الدافع الأقوى لدينا وبالتالي عدم التأكد التام من النتائج يكون أحد الأسباب الرئيسية في عدم اتخاذ القرار.

    غالباً ما نسعى إلى أفضل قرار ممكن وبالتالي قد نتأخر في اتخاذ القرار بحجة الحصول على معلومات وحقائق أكثر والسعي المستمر لتحسين جودة القرار.

    عندما تكون الاختيارات عديدة يكون اتخاذ القرار صعب وقد يتأخر كثيراً إن لم يتم أولاً قياس جدوى وتأثير كل اختيار (من خلال مصفوفة الجدوى والتأثير) وذلك لتحديد أي الاختيارات يتمتع بنسبة أعلى من احتمالية إحداث أثر أكبر وجدوى مرتفعة.

    الاعتقاد الخاطئ بأن القرارات الكثيرة تعني أعمال كثيرة وبالتالي أخطاء كثيرة وهذا مفهوم سلبي خاطئ بكل المقاييس حيث أن الفارق كبير بين من يتخذ 1000 قرار خاطئ ومن لم يتخذ أي قرار فالأول تعلم 1000 طريقة وأسلوب يجب تجنبهم في المستقبل للوصول إلى نتائج أفضل أما الثاني فما زال عالقاً في خطوته الأولى.

    قد يشعر البعض بأن الأمان هو الاستقرار وعدم المخاطرة والتقدم إلى الأمام ولكن في زماننا الحالي وتغيراته المتعاقبة والمتنوعة فإن التوقف لا يعني الثبات في نفس المكان ولكنه يعني التدهور والرجوع إلى الوراء ويمكنك أن تتخيل أنك في سباق للجري وأنت في المركز الثالث، ماذا سيحدث إن توقفت عن الجري؟

    نعم، لا يمكن التعميم بأن القرار الخاطئ دائماً هو أفضل من اللاقرار أو العكس ولكن على كل منا أن يُعمِل تفكيره عند لحظة الاختيار ولتعلم دائماً أنه – كما ذكرت آنفاً – أن مهارة اتخاذ القرار ما هي إلا عضلة يجب تدريبها واستخدامها وإرهاقها أحياناً لتنمو وتستطيع تحمل قرارات أصعب والأهم فقدرة من يأخذ أول قرار ليست كمن اعتاد على اتخاذ قراراته بسرعة وهدوء وثقة فلا يتساوى من يأخذ ثلاثة قرارات في اليوم مع من يصل في يومه إلى القرار رقم 53.



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن