87% من الشركات حول العالم تواجه فجوات مهارية أو تتوقع مواجهتها خلال السنوات الخمس المقبلة

  • المهارات المطلوبة لسوق العمل تتغير بوتيرة غير مسبوقة وتمثل عملة جديدة للنمو مُدفوعة بالتطور التكنولوجي والتحول الرقمي والاقتصاد الأخضر

     

          معلومات الوزراء" يستعرض في تحليل جديد اقتصاد المهارات والتحولات العالمية في سوق العمل

     

    كتب : اسلام توفيق

     

     

    أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلاً جديداً حول "اقتصاد المهارات"، مشيراً إلى أن العالم يشهد تحولات متسارعة في سوق العمل بفعل الثورة الرقمية وتطور الذكاء الاصطناعي؛ مما جعل المهارات هي العنصر الحاسم في تحقيق التوظيف والنمو، وأصبح التركيز على اكتساب المهارات العملية والتعلم المستمر ضرورة لمواكبة التغيرات وضمان القدرة التنافسية.

     

    ويشير اقتصاد المهارات (Skills Economy) إلى سوق عمل تُحدَّد فيه قابلية التوظيف والتنقل والنمو بناءً على المهارات، وليس على المسميات الوظيفية أو المؤهلات الأكاديمية. في هذا النموذج، تُعد القدرات ديناميكية ومتغيرة باستمرار، ويعتمد النجاح على سرعة تكيف الأفراد والمؤسسات مع التغيرات.

     

    ووفقًا لتقارير المنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum)، يُعد اقتصاد المهارات تحولًا جوهريًّا في الطريقة التي تُقيَّم بها القيمة المهنية على مستوى الأفراد والمؤسسات. إذ أصبح التركيز ينصب على ما يمتلكه الأفراد من مهارات وقدرات، وما يمكنهم اكتسابه من مهارات جديدة، بدلًا من الاعتماد فقط على المؤهلات الأكاديمية والمسميات الوظيفية التقليدية، وفي هذا السياق، أصبحت المهارات -التقنية منها والناعمة- تمثل العملة الجديدة للنمو والتوظيف في عالم العمل الحديث.

     

    نشأ مفهوم اقتصاد المهارات جزئيًّا استجابةً لما يُعرف بـ "أزمة المهارات العالمية"، حيث تشير بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن نحو 87% من الشركات حول العالم تواجه حاليًّا فجوات مهارية أو تتوقع مواجهتها خلال السنوات الخمس المقبلة. ويُظهر ذلك أن المهارات المطلوبة في سوق العمل تتغير بوتيرة غير مسبوقة، مُدفوعة بالتطور التكنولوجي والتحول الرقمي والاقتصاد الأخضر. وقد أدرك الأفراد بدورهم أهمية تطوير المهارات القابلة للتطبيق والمتعددة الاستخدامات للحفاظ على قدرتهم التنافسية وضمان استمراريتهم المهنية في سوق عمل تتّسم بالتقلب والمرونة المتزايدة.

     

    كما توقّع المنتدى الاقتصادي العالمي في تقريره لعام 2020 أن نصف العاملين حول العالم (50%) سيحتاجون إلى إعادة تأهيل مهني (Reskilling) عام 2025. ويشير تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025، إلى أن نصف القوى العاملة العالمية تقريبًا قد شاركت بالفعل في برامج لإعادة التأهيل أو تطوير المهارات (Upskilling)؛ مما يدل على أن اقتصاد المهارات لم يعد تصورًا مستقبليًّا، بل واقعًا فعليًّا يتشكّل في الحاضر.

     

    ولا يعد التحول نحو التوظيف القائم على المهارات مجرد اتجاهاً عابراً، بل هو استجابة طبيعية للتغيرات المتسارعة في طبيعة العمل. وقد أشار المنتدى الاقتصادي العالمي إلى وجود مجموعة من المحركات الرئيسة التي تدفع نحو تبنّي اقتصاد المهارات، من أبرزها:

     

    -التحوّلات التكنولوجية: يمثل التغير التكنولوجي المحرك الرئيس لتحولات المهارات في السنوات القادمة؛ إذ تعزز تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والأمن السيبراني الطلب على مهارات جديدة، إلى جانب تنامي أهمية التفكير التحليلي والنظامي. وفي المقابل، تتراجع أهمية المهارات اليدوية والقدرات الأساسية كالقراءة والكتابة والرياضيات، مع تزايد التحول نحو الأتمتة، والذكاء الاصطناعي. ويكشف هذا التحول عن الأثر المزدوج للتكنولوجيا، فهي تخلق وظائف جديدة لكنها تُسرّع زوال أخرى؛ مما يفرض ضرورة إعادة تأهيل وتطوير المهارات لتمكين الأفراد من الجمع بين الكفاءات التقنية والقدرات البشرية في سوق عمل متغير.

     

    -التحول الأخضر: يكتسب الإشراف البيئي أهمية متزايدة باعتباره مهارة أساسية تعكس التوافق بين استراتيجيات الأعمال وأهداف الاستدامة. ويعود ذلك إلى تنامي جهود التكيف مع التغير المناخي، ومبادرات خفض الكربون، إلى جانب التطور في تقنيات توليد الطاقة وتخزينها وتوزيعها. هذه التحولات لا تجعل المهارات البيئية مطلبًا ضروريًّا في مختلف القطاعات فحسب، بل تمثل أيضًا عاملًا رئيسًا في تحقيق نمو صافٍ للوظائف بحلول عام 2030.

     

    -التحولات الديموغرافية: تُعد التحولات السكانية من أبرز العوامل المؤثرة في أنماط المهارات المطلوبة. ففي الاقتصادات المتقدمة، تؤدي شيخوخة السكان وتراجع القوى العاملة إلى زيادة الطلب على مهارات مثل: إدارة المواهب، والتعليم والإرشاد، والتحفيز والوعي الذاتي. ويصاحب ذلك تركيز متنامٍ على التعاطف والاستماع النشط، وإدارة الموارد، وخدمة العملاء، باعتبارها مهارات أساسية لبناء بيئات عمل أكثر شمولًا وتلبية احتياجات القوى العاملة الأكبر سنًا، وفي المقابل، تُسهم الزيادة في القوى العاملة الشابة في بعض المناطق في تعزيز هذه المهارات نفسها، خاصةً في قطاعات التعليم، والمبيعات، والضيافة.

     

    وعلى الرغم من استمرار حالة عدم اليقين بشأن الأثر طويل المدى للذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن وتيرة التغير المتوقعة في المهارات بدأت تستقر نسبيًّا، وإن ظلّت عند مستوى مرتفع. وبصورة عامة، يتوقع أصحاب العمل أن تتغير 39% من المهارات الأساسية للعاملين بحلول عام 2030، وفقًا لتقرير "مستقبل الوظائف 2025"، ورغم أن هذه النسبة تمثل تحولًا مهاريًّا كبيرًا، فإنها انخفضت مقارنةً بنسبة 44% في عام 2023.

     

    ويُعزى ذلك جزئيًّا إلى تزايد التركيز على التعلم المستمر، وبرامج رفع المهارات، وإعادة التأهيل المهني، ما مكّن الشركات من التنبؤ بشكل أفضل بمتطلبات المهارات المستقبلية وإدارتها. وينعكس ذلك في ارتفاع نسبة القوى العاملة التي أنهت تدريبًا ضمن استراتيجيات التعلم طويلة الأمد إلى 50% في عام 2025، مقارنةً بـ 41% عام 2023، وهو اتجاه لوحظ عبر معظم القطاعات الصناعية.

     

    سلط التحليل الضوء على ما تناوله مسح "مستقبل الوظائف 2025" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي أن المهارات الأساسية التي يراها أصحاب العمل ضرورية للعاملين اليوم تتسم بتركيز متزايد على القدرات التحليلية والتفاعلية. وكما في الإصدارات السابقة من المسح، تصدّرت المهارات التحليلية قائمة المهارات الأكثر طلبًا، حيث اعتبرها سبع من كل عشر شركات أمرًا ضروريًّا، تلتها المرونة والقدرة على التكيف وسرعة الاستجابة، ثم القيادة والتأثير الاجتماعي.

     

    وأوضح التحليل أن هذا الترتيب يبرز الدور الحاسم لمهارات قابلية التكيف والتعاون إلى جانب المهارات الإدراكية. كما احتل التفكير الإبداعي، والدافعية والوعي الذاتي المرتبتين الرابعة والخامسة على التوالي؛ مما يؤكد أهمية امتلاك قوة عاملة مرنة، ومبتكرة، وقادرة على التفاعيل بفعالية مع بيئة العمل المتغيرة. وتشير النتائج إلى أن حل المشكلات والقدرة على التحمل باتا عنصرين أساسيين للنجاح في سوق العمل الحديث.

     

    وبالنظر إلى تطوّر المهارات بحلول عام 2030، أشارت التقديرات إلى أن بعض المهارات الأساسية الحالية ستواصل نموها بوتيرة متسارعة، مثل: الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، والتفكير التحليلي والإبداعي، والمرونة والقدرة على التكيف، والثقافة التكنولوجية، إضافة إلى القيادة والتأثير الاجتماعي، والتفكير النظامي، وإدارة المواهب؛ مما يؤكد تزايد أهمية المزج بين المهارات التقنية والبشرية في ظل التحولات التكنولوجية السريعة. كما برزت مهارات ناشئة مثل الأمن السيبراني، والمسؤولية البيئية التي يُتوقع أن تصبح أكثر أهمية رغم أنها ليست بعدُ أساسية في أغلب المنظمات.

     

    في المقابل، ستظل مهارات مثل التعاطف والاستماع النشط، وخدمة العملاء، وإدارة الموارد والعمليات مستقرة دون نمو ملحوظ، بينما من المتوقع أن تتراجع الأهمية النسبية لبعض المهارات الأخرى، وهو ما يتيح للمنظمات إعادة توجيه استثماراتها نحو المهارات الأسرع نموًا والأكثر تأثيرًا في المستقبل.

     

    وأوضح مركز المعلومات أن الدولة المصرية تُولي اهتمامًا متزايدًا بتنمية المهارات البشرية كركيزة أساسية للتحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار. وفي ظل التحولات المُتسارعة التي يشهدها سوق العمل العالمي، تسعى الدولة المصرية إلى مواءمة مخرجات التعليم والتدريب مع احتياجات القطاعات الإنتاجية والتكنولوجية الحديثة، بما يعزز تنافسية الكوادر الوطنية وقدرتها على الاندماج في سوق العمل المحلي والدولي.

     

    وفي هذا الإطار، أطلقت الدولة مجموعة من المبادرات والبرامج النوعية التي تستهدف إعداد جيل من الشباب يمتلك المهارات الرقمية، والمهنية، والبيئية اللازمة لعصر التحول الرقمي والاقتصاد الأخضر. وتشمل هذه الجهود مبادرات تدريبية متخصصة، وشراكات مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية، وبرامج وطنية تسعى إلى تمكين الشباب وبناء قدراتهم بما يواكب متطلبات التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030. وفيما يلي عرض لأهم هذه المبادرات والبرامج:

     

    -مبادرة "شباب مصر الرقمية - الجاهز للتوظيف": في إطار جهود الدولة لتأهيل الكوادر الشابة وتزويدها بالمهارات المطلوبة لسوق العمل الرقمي، أطلق المعهد القومي للاتصالات مبادرة "شباب مصر الرقمية - الجاهز للتوظيف" الموجهة لخريجي السنوات الخمس الأخيرة؛ حيث تستهدف سد الفجوة بين التعليم الأكاديمي والمهارات العملية المطلوبة في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، من خلال تنفيذ برامج تدريبية متخصصة بالشراكة مع أكثر من 75 شركة محلية وعالمية.

     

    وتأتي هذه المبادرة ضمن توجه الدولة نحو تعزيز اقتصاد المهارات، وبناء جيل من الكفاءات الرقمية المؤهلة للمنافسة في سوق العمل المحلي والدولي، من خلال الربط بين التدريب العملي واحتياجات القطاع الخاص، بما يسهم في دعم التحول الرقمي والتنمية المستدامة.

     

    -برنامج "مشواري" كنموذج لتمكين الشباب وبناء المهارات في مصر: يُعد برنامج "مشواري" أحد أبرز المبادرات الوطنية الهادفة إلى تمكين الشباب وتأهيلهم لسوق العمل من خلال تطوير مهاراتهم الحياتية والمهنية وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال. وقد انطلق البرنامج عام 2014 كمنصة لتزويد الشباب بالمعرفة والمهارات التي تساعدهم على المنافسة في سوق العمل المحلي والعالمي، ويتماشى في أهدافه مع رؤية مصر 2030، وأجندة التنمية المستدامة، التي تضع الاستثمار في الإنسان في صميم عملية التنمية، كما شهد البرنامج خلال السنوات الماضية توسعًا ملحوظًا على مستوى المحافظات، وازديادًا في أعداد المستفيدين، وتطورًا في المحتوى التدريبي بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل الحديث.

     

    -تنمية المهارات في إطار التحول نحو الاقتصاد الأخضر: تتخذ الدولة المصرية خطوات جادة نحو دمج مفاهيم اقتصاد المهارات في استراتيجياتها الخاصة بالتحول إلى الاقتصاد الأخضر، من خلال تنفيذ مبادرات نوعية تستهدف إعداد القوى العاملة وتأهيلها بمهارات جديدة تتماشى مع متطلبات القطاعات المستدامة.

     

    وقد جاء إطلاق دراسة "مهارات الوظائف الخضراء في مصر"، بالتعاون بين وزارة العمل ومنظمة العمل الدولية وبرنامج الأغذية العالمي، كأحد أبرز هذه الخطوات الرامية إلى دعم قدرة الدولة على تزويد سوق العمل بالمهارات اللازمة لتحقيق انتقال عادل نحو الاقتصاد الأخضر.

     

    تركّز هذه الجهود على إعادة هيكلة سوق العمل بما يتواكب مع التحولات البيئية والتكنولوجية العالمية، عبر سياسات تهدف إلى تدريب العمال، وتأهيلهم للوظائف الناشئة في مجالات الطاقة المتجددة، وكفاءة استخدام الموارد، والتقنيات الزراعية المستدامة، وإدارة النفايات وغيرها من القطاعات المرتبطة بالاقتصاد الأخضر.

     

    -التعاون بين وزارة العمل المصرية وشركة "ابدأ إديو": في إطار تنمية المهارات وتأهيل الشباب على احتياجات سوق العمل.

     

    -مبادرة "مستقبلنا رقمي (Egypt Fwd): في إطار استراتيجية مصر الرقمية، أطلقت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مبادرة "مستقبلنا رقمي" وتدعمها هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات "ايتيدا"، والتي تهدف إلى تدريب 25 ألفًا من الشباب المصري على المهارات الرقمية المطلوبة لسوق العمل الحر والعمل عن بُعد، وذلك في مجالات تطوير الويب، وتحليل البيانات، والتسويق الرقمي. وتتميز المبادرة بتوفير تدريب مجاني عبر الإنترنت بمسارات متعددة (مبتدئ، محترف، متقدم).

     

    -برنامج "أكاديمية المواهب المصرية": ينفذ برنامج "أكاديمية المواهب المصرية" المعهد القومي للاتصالات (NTI) بالتعاون مع شركة هواوي العالمية، وتهدف إلى إعداد جيل من المتخصصين في التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، تشمل المجالات التدريبية الأمن السيبراني، والحوسبة السحابية، والبيانات الضخمة، وشبكات الاتصالات، والذكاء الاصطناعي.

     

    -برنامج التأهيل للعمل الحر (ITIDA Gigs): يُعد برنامج "التأهيل للعمل الحر" أحد المبادرات الرائدة التي أطلقتها هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (ITIDA) بالتعاون مع مؤسسة (EYouth)؛ بهدف تمكين الشباب المصري من الاندماج في سوق العمل الرقمي الحر وتعزيز قدراتهم التنافسية على المستوى العالمي.

     

    يستهدف البرنامج تأهيل المشاركين من خلال تدريب مكثف يمتد لثلاثة أشهر، يزوّدهم بالمهارات التقنية والعملية اللازمة للعمل في مجالات الاقتصاد الرقمي والعمل المستقل (Freelancing). كما يتيح للمشاركين فرصًا عملية لتطبيق ما تعلموه من خلال الحصول على فرصة عمل رقمية مدفوعة الأجر واحدة على الأقل بنهاية فترة التدريب.

     

    ويركز البرنامج على بناء جيل من الشباب القادر على العمل بفاعلية في بيئة العمل الرقمية العالمية، عبر تطوير مهارات التواصل، والإدارة الذاتية، والتسويق الرقمي، بالإضافة إلى تعزيز قدراتهم على التعامل مع المنصات الإلكترونية الخاصة بالعمل الحر.

     

    أشار التحليل في ختامه إلى أن اقتصاد المهارات أصبح اليوم أحد أبرز الركائز الأساسية لمستقبل العمل، إذ لم تعد الشهادات وحدها كافية لضمان التوظيف أو النجاح المهني من دون المهارات؛ فامتلاك المهارات القابلة للتطبيق والتعلم المستمر والقدرة على التكيف مع التطورات التقنية هي العوامل الحقيقية للتنافس والنمو. ومن ثمّ، فإن تركيز الدول على تنمية رأس المال البشري، وبناء المهارات بات ضرورة حتمية لضمان استدامة التنمية، وتعزيز مكانتها في الاقتصاد العالمي القائم على المعرفة والتكنولوجيا.

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن