طائرات "الدرون" تُعيد تشكيل قواعد الصراع بين القوى الكبرى.. وكيف تلحق مصر بهذه الثورة التكنولوجية ؟

  •  

     

    بقلم : د. عـادل اللـقانى

    خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

    [email protected]

     

    "في عصر تتسارع فيه التحولات التكنولوجية بوتيرة غير مسبوقة، أصبحت طائرات الدرونز (الطائرات بدون طيار) أحد أبرز العوامل التي تعيد رسم موازين القوة بين الدول الكبرى. لم تعد هذه الطائرات مجرد أدوات للاستطلاع أو المراقبة، بل تطورت لتصبح أداة استراتيجية متقدمة تنفذ هجمات دقيقة، تجمع المعلومات الاستخباراتية، وتقوم بمهام معقدة بأقل تكلفة بشرية. وبحسب تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) عام 2023 فان العالم شهد ارتفاعًا بنسبة 45% في استخدام الطائرات المسيرة في العمليات العسكرية مقارنة بالسنوات الخمس السابقة، مما يعكس الدور المتنامي لهذه التكنولوجيا في الحروب الحديثة وبينما تتسابق الدول الكبرى على تطوير ترسانات ذكية من الطائرات المسيّرة، تقف دول أخرى كمصر أمام سؤال مصيري: هل تلحق بركب هذه الثورة التكنولوجية ؟ أم تظل في مقاعد المتفرجين؟"

    "الدرون" وتغيير مفهوم التفوق العسكري

    في الماضي، كان التفوق العسكري يُقاس بحجم الجيوش وعدد الدبابات والطائرات المقاتلة، وبالمعدات الثقيلة التي تمتلكها الدول. أما اليوم، فقد غيّرت طائرات الدرون المعادلة بشكل جذري. و في دراسة أجراها معهد "راند" الأمريكي، أُكد أن العمليات التي تعتمد على الدرون تقلل من التكاليف العسكرية بنسبة تصل إلى 60% مقارنة بالعمليات التقليدية. كما أن الاعتماد على هذه الطائرات يتيح تحقيق عنصر المفاجأة، ويقلل فرص التصدي من قبل العدو، لاسيما عندما تكون مجهزة بأنظمة تقنيات حديثة كالذكاء الاصطناعي وأنظمة الرصد الحراري والراداري. والقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، وروسيا، لم تعد ترى في" الدرون" مجرد أدوات مساعدة، بل أصبحت جزءًا رئيسيًا من استراتيجياتها العسكرية الشاملة للتفوق العسكرى، واليكم بعضا منها :

    السيطرة الجوية بدون طيار: كان التفوق الجوي يعتمد إلى حد كبير على الطائرات المقاتلة الكبيرة والمأهولة. أما اليوم فإن الطائرات بدون طيار توفر القدرة على تحقيق التفوق الجوي من خلال أسطول كبير من الطائرات الذكية التي يمكنها تنفيذ مهمات دقيقة متنوعة دون الحاجة للوجود البشري في الخطوط الأمامية.

    الاستخدام المتعدد للدرون: توفر الدرون مرونة غير مسبوقة، حيث يمكن استخدامها للمراقبة المستمرة، الهجمات الدقيقة على الأهداف الاستراتيجية، وحتى التجسس الإلكتروني.هذا يسمح للقوى الكبرى بمواصلة صراعها على عدة جبهات تدمج الاستطلاع والضربة السريعة في وقت واحد.

    الحروب الهجينة : في الصراعات الحديثة خاصة بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، أصبح من الواضح أن الحروب التقليدية قد تحولت إلى حروب هجينة تستخدم تقنيات متعددة ، مثل الهجمات الإلكترونية، الهجمات السيبرانية، والدرون لتحقيق أهداف استراتيجية دون أن تتورط بشكل مباشر في صراعات كبيرة.

     الرد السريع: توفر الدرون استجابة فورية وسريعة لأي تهديدات في المواجهات بين القوى الكبرى وتحقيق ضربات دقيقة بسرعة وفعالية ضد أهداف عالية القيمة بدون حاجة الى نشر قوات برية واسعة أو التصعيد الكبير في المعارك.

    التجسس وجمع المعلومات الاستخباراتية: تعتمد القوى الكبرى بشكل متزايد على "الدرون" لاستخراج معلومات استخباراتية مهمة تتعلق بالتحركات البرية والجوية والبحرية، فضلًا عن مراقبة الأسلحة النووية والصواريخ مما يوفر لهم قدرة غير مسبوقة على التخطيط الاستراتيجي.

    زيادة دقة الهجمات والتخطيط العملياتي: تساهم "الدرون" في تحسين فعالية العمليات العسكرية من خلال جمع بيانات حية ومراقبة مستمرة للأهداف مما يضمن تنفيذ عمليات دقيقة تجنب وقوع أضرار جانبية غير ضرورية.

    الضغوط السياسية  : تتيح "الدرون" تنفيذ ضربات استراتيجية عالية الدقة على المنشآت الاقتصادية أو العسكرية الهامة للأعداء، مما يضغط على الدول المعادية سياسيًا واقتصاديًا لإحداث نوع من الردع أو التهديد دون الحاجة إلى اندلاع حرب شاملة.

    الحرب الرقمية: تكنولوجيا "الدرون" لا تقتصر على الهجمات الجوية، بل تمتد إلى الحرب السيبرانية. مع تطور الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلات، أصبح من الممكن استخدام الدرون في بيئات متكاملة حيث تلعب أنظمة الذكاء الاصطناعي دورًا في تحديد الأهداف واتخاذ القرارات الحربية بشكل شبه مستقل.

    تغير فى قواعد الحرب مستقبلا : من المحتمل أن نرى في المستقبل أسلحة متطورة مثل" الدرون الطائر بشكل جماعي " حيث تعمل العديد من الطائرات بدون طيار معًا بتناغم لتحقيق أهداف معقدة من دون تدخل بشري مما سيغير قواعد الحرب التقليدية كما حدث مؤخرا فى الهجوم على القاذفات النووية فى روسيا  .

    التحكم في مسار النزاعات : تمثل "الدرون" تهديدًا نفسيًا قويًا في الحروب بين القوى الكبرى ، وتحدث الهجمات السريعة والضربات الدقيقة ضد مواقع استراتيجية أو المنشآت الحساسة صدمة كبيرة، وتؤدي إلى تحول سريع في مسار النزاع.

    أمثلة واقعية من الصراعات الحديثة

    حرب روسيا وأوكرانيا (2022 - حتى الآن): منذ بداية الحرب في فبراير 2022 أصبحت "الدرون" أداة حاسمة في الاستراتيجية العسكرية للطرفين وتستخدمها أوكرانيا لجمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ ضربات دقيقة ضد المواقع الروسية، بما في ذلك مستودعات الأسلحة والدبابات ،وتستخدم موسكو هذه الطائرات مثل "أوريون" و"شاهد" الإيرانية للهجوم على القوات الأوكرانية وعمليات ضد الأهداف الحيوية . الدرون التركية من طراز "بيرقدار" ساعدت القوات الأوكرانية على تعطيل تقدم القوات الروسية واستخدمت لتنفيذ ضربات دقيقة على الدبابات والمدرعات الروسية مما عزز قدرة أوكرانيا على الصمود في مواجهة الغزو الروسي.

    حرب ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان (2020) : في الحرب التي دارت بين أذربيجان وأرمينيا في عام 2020، استخدمت أذربيجان الدرون بشكل واسع لتحقيق تفوق جوي. الدرون التركية من طراز "بيرقدار" ودرون "هيرون" الإسرائيلية كانت أساسية في المعركة. استخدم الأذربيجانيون هذه الطائرات لتدمير دبابات ومدرعات أرمينية، وكذلك للاستطلاع والمراقبة وتنفيذ هجمات دقيقة ضد الأهداف الاستراتيجية على الأرض مثل أنظمة الدفاع الجوي الأرمنية. هذا الاستخدام للدرون كان حاسمًا في نجاح أذربيجان في استعادة أراضٍ كانت تحت سيطرة أرمينيا.

    حرب اليمن (منذ 2015) والهجمات بواسطة الدرون من قبل الحوثيين على العدو الاسرائيلى :الجماعة الحوثية في اليمن استخدمت طائرات بدون طيار بشكل متكرر لضرب أهداف في المملكة العربية السعودية والإمارات. على سبيل المثال، في 2019 شن الحوثيون هجومًا على منشآت النفط السعودية في أبقيق وخريص مما أدى إلى تعطيل جزء كبير من إنتاج النفط السعودي.المملكة العربية السعودية في المقابل استخدمت "الدرون" لحماية أجوائها وتعزيز قدراتها الاستخباراتية والمراقبة على الحدود ومهاجمة أهداف تابعة للحوثيين في اليمن.

    الاغتيال الجوي للقائد الإيراني قاسم سليماني 2020: في 3 يناير 2020 نفذت الولايات المتحدة عملية اغتيال لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في العراق باستخدام طائرة مسيرة من طراز "ريبر MQ-9". كانت هذه العملية بمثابة نقطة تحول في استخدام "الدرون" في العمليات العسكرية عالية الدقة.هذا الهجوم اظهر كيف يمكن للدرون أن تكون وسيلة فعالة في تنفيذ عمليات دقيقة ضد شخصيات بارزة في الحروب بالوكالة دون الحاجة لنشر القوات البرية.

    التوترات بين الصين والولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي : يشهد بحر الصين الجنوبي نزاعات إقليمية بين الصين ودول أخرى مثل الفلبين وفيتنام، وتستخدم الولايات المتحدة طائرات "الدرون" لمراقبة الأنشطة الصينية في المنطقة ومراقبة بناء المنشآت العسكرية الصينية في الجزر المتنازع عليها.في المقابل الصين استخدمت أيضًا طائرات بدون طيار لمراقبة وتفتيش سفن وطائرات عسكرية أمريكية تقوم بالأنشطة الاستطلاعية في بحر الصين الجنوبي.هذا التنافس يُظهر كيف أن الدرون أصبحت جزءًا من الحرب الاستراتيجية في المناطق الحساسة حيث تتلاقى المصالح العسكرية والاقتصادية.

    الصراع بين العدو إسرائيلى والفصائل الفلسطينية : في حروب التحرير التى تقودها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة ضد العدو الاسرائيلى استخدمت إسرائيل طائرات مسيرة لمراقبة وتدمير منصات إطلاق الصواريخ لهذه الفصائل وكذلك استهداف القادة العسكريين للفصائل الفلسطينية. من ناحية أخرى استخدمت الفصائل الفلسطينية الطائرات المسيرة الصغيرة لمهاجمة المواقع العسكرية الإسرائيلية و تهديد الأهداف الحيوية وتدميرها.

    الدول الرائدة في صناعة "الدرون"

    تعد صناعة الطائرات (الدرون) أحد المجالات التكنولوجية المتقدمة التي تهيمن عليها بعض الدول الكبرى. هذه الدول تتميز بقدرتها على تطوير وتصنيع طائرات مسيرة تتمتع بقدرات متعددة تشمل الاستطلاع، الهجوم، الحرب الإلكترونية، والمراقبة. وإليك أبرز الدول الرائدة حاليًا في صناعة هذه الطائرات :

    الولايات المتحدة الأمريكية :هناك العديد من  الشركات الرائدة فى الولايات المتحدة الامريكية فى مجال تصنيع وتطوير" الدرون" مثل  جنرال أتوميكس (General Atomics) وهي واحدة من الشركات الرائدة في تطوير طائرات الدرون العسكرية مثل MQ-9 Reaper وMQ-1 Predator، وهما من أشهر الطائرات المستخدمة في العمليات العسكرية.هذا بالاضافة الى شركتى  لوكهيد مارتن (Lockheed Martin) و نورثروب جرومان (Northrop Grumman) أيضًا تلعبان دورًا كبيرًا في تطوير الطائرات بدون طيار.وتعتبر الولايات المتحدة هي من أكبر المصدّرين للطائرات المسيرة إلى حلفائها في أوروبا وآسيا.

    الصين : شركة إيه سي (AVIC) وهي إحدى الشركات الصينية الرائدة في صناعة طائرات الدرون العسكرية، وشركة وينغ لونغ (Wing Loong) التى تعد من الشركات الرائدة في تطوير الطائرات بدون طيار من النوع الهجومي. وتسعى الصين  لتطوير طائرات الدرون في مجالات متعددة، بدءًا من المراقبة والاستطلاع إلى الهجوم، وتستخدمها بشكل متزايد في الصراعات الحدودية والبحرية كما تتمتع الصين بقدرة تصنيع عالية جدًا للدرون بأسعار تنافسية، مما يجعلها من أكبر المنتجين لهذه الطائرات على مستوى العالم.

    إسرائيل : الشركة الإسرائيلية إلكترا (IAI)  وهى تعتبر من الشركات الكبرى في صناعة الطائرات المسيرة في إسرائيل، وقد طورت طائرات مسيرة مثل هرمس 450 و هرمس 900 وشركة إيروجيت أيضًا من الشركات الرائدة في تطوير الدرون العسكري. وتعتبر إسرائيل من رواد صناعة الدرون العسكري، وقد استخدمتها بشكل مكثف في عمليات مراقبة وحروب في  غزة ولبنان وسوريا.

    تركيا  : شركة بايكار (Baykar) وهي الشركة التركية الرائدة في صناعة الطائرات بدون طيار، وتعد طائرات بيرقدار TB2 من أشهر الطائرات المسيرة التي تم استخدامها بشكل كبير في النزاع في ناغورنو كاراباخ (2020) وفي حرب أوكرانيا. وقد اصبحت تركيا من الدول الرائدة في تصدير الدرون حيث تستخدمها في حروبها بالوكالة في سوريا وليبيا، وكذلك في عمليات ضد حزب العمال الكردستاني في العراق. كما حققت هذه الطائرات نجاحات كبيرة في حروب الشرق الأوسط، ودفعت العديد من الدول إلى طلب هذه التكنولوجيا المتطورة.

    روسيا : من الشركات الرائدة  شركة "سوخوي  (Sukhoi) والتى قامت بتطوير الطائرات بدون طيار مثل "أوريون" التي تستخدم في العمليات العسكرية. وشركة "كلاشنيكوف" (Kalashnikov Group)  وهى تطور طائرات مسيرة هجومية ذات تقنيات متقدمة وتطور روسيا طائرات مسيرة هجومية دفاعية وأخرى متخصصة في المراقبة، وتستخدمها في العمليات العسكرية في سوريا وأوكرانيا وتهدف إلى زيادة قدرتها في مجال الطائرات المسيرة لمواجهة التقدم التكنولوجي في الغرب.

    الهند : بها عدد من الشركات الرائدة مثل شركة هندوستان أيرونوتيكس (HAL) التي تعمل على تطوير طائرات بدون طيار، مثل طائرة "رستم"، والتي تستخدمها الهند في عمليات المراقبة والهجوم. وتستخدم الهند  الطائرات المسيرة في عمليات المراقبة على الحدود مع باكستان والصين، كما أن هناك خططًا لتطوير طائرات هجومية واستخباراتية وتسعى لتطوير تقنيات محلية خاصة بها لمواكبة التهديدات المتزايدة على الحدود.

    المملكة المتحدة : من الشركات الرائدة شركة "إيرباص" (Airbus)  التي تطور طائرات مسيرة معقدة للاستخدام العسكري والمدني. وتستخدم المملكة المتحدة  طائرات مسيرة لأغراض الاستطلاع والهجوم، وقد شاركت في العديد من العمليات العسكرية في الشرق الأوسط باستخدام طائرات الدرون من نوع "ريبر" .

    الإمارات العربية المتحدة : من الشركات الرائدة شركة "إنترناشيونال أيروسبيس" (IAI) وهي شركة تطور طائرات مسيرة موجهة للاستخدام العسكري، خاصة في النزاعات في الشرق الأوسط. وتستخدم الإمارات الدرون بشكل مكثف في العمليات العسكرية في اليمن وليبيا وغيرها من النزاعات الإقليمية.

    اين تقف مصر من صناعة " الدرون " ؟

     تُعتبر مصر دولة ذات طموحات متزايدة في مجال صناعة الطائرات بدون طيار، سواء من خلال تطوير تكنولوجيا محلية أو عبر التعاون مع دول رائدة. وقد بدأت في السنوات الأخيرة بالتركيز على تطوير هذه الصناعة بشكل متزايد سواء للاستخدامات العسكرية أو المدنية، وهذا يشمل تطوير التكنولوجيا المحلية، تعزيز القدرات العسكرية، وكذلك استكشاف التطبيقات المدنية لهذه الطائرات. في هذا السياق يمكن تلخيص موقف مصر من صناعة الدرون في النقاط التالية:

    تطوير الطائرات المسيرة المحلية: في السنوات الأخيرة أظهرت مصر اهتمامًا متزايدًا بتطوير طائرات مسيرة محلية الصنع لأغراض عسكرية وقامت بتطوير عدة نماذج من هذه الطائرات التي تستخدم في المراقبة، الاستطلاع، وبعض الطائرات الهجومية الصغيرة.على سبيل المثال في عام 2017عرضت مصر طائرة مسيرة من طراز "شهاب" خلال معرض الدفاع "إيديكس"محلية الصنع مخصصة للمراقبة والتجسس. وفي عام 2020  تم الإعلان عن تطوير طائرة مسيرة هجومية تحت اسم "مصر-2020"، وهي تكنولوجيا محلية تهدف إلى تعزيز قدرة مصر على تنفيذ عمليات دقيقة في الصراعات العسكرية.

    التعاون مع دول رائدة: دخلت مصر أيضًا في شراكات مع دول أخرى لتعزيز قدراتها في هذا المجال. على سبيل المثال، في السنوات الأخيرة، حصلت مصر على طائرات مسيرة من دول مثل الصين و تركيا ،ووقعت على عقود للحصول على طائرات مسيرة هجومية مثل "بيرقدار" من تركيا والتي أثبتت فعاليتها في النزاعات العسكرية في دول مثل ليبيا وأذربيجان ثم جاء التعاون مع الصين ليشمل الحصول على طائرات مسيرة من طراز "WJ-600" التي تتمتع بقدرات كبيرة في الاستطلاع والمراقبة.

    التطبيقات العسكرية: تستخدم مصر الطائرات بدون طيار في عدة تطبيقات عسكرية، مثل المراقبة، الاستطلاع، والاستهداف الدقيق. وتم استخدامها في الصراع في ليبيا حيث أظهرت مصر القدرة على استخدام الدرون لضمان تفوقها الجوي في هذه النزاعات. الطائرات المسيرة تساهم أيضًا في تأمين الحدود المصرية خاصة في المناطق الصحراوية التي يصعب مراقبتها باستخدام الوسائل التقليدية.

    الاهتمام بالتطبيقات المدنية: بدأت مصر في إدراك الإمكانات الهائلة للطائرات المسيرة في المجالات المدنية وهناك اهتمام متزايد باستخدام الدرون في الزراعة والمراقبة البيئية وتوصيل البضائع. وقد تم إطلاق بعض المشاريع المبدئية لاستخدام الطائرات المسيرة في عمليات الزراعة الذكية ومراقبة المحاصيل الزراعية وتحديد مناطق الري والآفات ومراقبة المنشآت الحيوية مثل محطات الكهرباء والمرافق النفطية.

     إنتاج الدرون محليًا: تسعى مصر بشكل مستمر إلى توسيع إنتاجها المحلي من الطائرات المسيرة على المدى البعيد. وتعمل الحكومة المصرية على تمويل العديد من مشروعات البحث والتطوير في مجال الطائرات المسيرة من خلال التعاون مع الجامعات والمراكز البحثية. ومن المتوقع أن تسعى مصر إلى توسيع قاعدة صناعتها للدرون عبر جذب استثمارات أجنبية وزيادة التعاون مع شركات الطيران العالمية.

    المشاركة في معارض دولية:  تُشارك مصر في المعارض الدولية الخاصة بالتكنولوجيا الدفاعية مثل معرض "إيديكس" الذي يُنظم في القاهرة. هذه المعارض توفر منصة لعرض أحدث تطورات الطائرات المسيرة ومنتجات الدفاع العسكرية.

    تحديات عديدة تواجه مصر  

    رغم الجهود المبذولة لتطوير هذا القطاع  تواجه مصر العديد من التحديات التي قد تعيق تحقيق صناعة وطنية رائدة في مجال الطائرات بدون طيار (الدرون) على المستوى العالمي. وإليك أهم التحديات التي تواجهها في هذا السياق:

    الابتكار والتطور التكنولوجي المتسارع: صناعة الطائرات بدون طيار تتطلب تقنيات متقدمة في مجالات متعددة مثل الذكاء الاصطناعي، الاتصالات المشفرة، والطيران الذاتي. ويتطلب التنافس العالمي في هذه الصناعة أن مصر بحاجة إلى تطوير تقنيات مبتكرة ومتفوقة لتحقق مكانة عالمية.

    الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية: تعتمد مصر على بعض التقنيات الأجنبية في صناعة الدرون، مما يشكل تحديًا في بناء قاعدة إنتاجية مستقلة. الاستقلال التكنولوجي في هذا المجال يتطلب سنوات من البحث والتطوير المحلي.

    التحديات المالية للبحث والتطوير: صناعة الطائرات المسيرة تتطلب استثمارات ضخمة في البحث والتطوير. هذا يشمل إنشاء مراكز أبحاث متخصصة، توفير المواد المتقدمة، وتطوير البرمجيات اللازمة للدرون. التمويل المحلي في مصر قد لا يكون كافيًا لتغطية هذه التكاليف، مما يتطلب جذب استثمارات محلية ودولية.

    حوافز للمستثمرين المحليين والدوليين: نقص الحوافز المناسبة للمستثمرين يمكن أن يكون عقبة رئيسية. تشجيع الاستثمارات في صناعة الطائرات المسيرة يتطلب بيئة مالية داعمة، بما في ذلك الحوافز الضريبية، تسهيلات التمويل، وبرامج التعاون بين القطاعين العام والخاص.

    نقص الخبرات والكفاءات المحلية: على الرغم من أن مصر تمتلك بعض المراكز البحثية المتخصصة، إلا أن نقص الخبرات والكفاءات المحلية في المجالات المتقدمة مثل الطيران الذاتي، الميكاترونيك، والذكاء الاصطناعي يُعتبر من التحديات الكبيرة. صناعة طائرات مسيرة متقدمة تتطلب فرقًا من المهندسين والباحثين المتميزين.

    التعاون بين القطاعين العسكري والمدني: قد يواجه التعاون بين الصناعات العسكرية والمدنية صعوبة في التنسيق والتكامل. تطوير طائرات مسيرة متعددة الاستخدامات (مدنية وعسكرية) يتطلب سياسة واضحة تدعم التفاعل بين القطاعات المختلفة.

    غياب الإطار القانوني المنظم للدرون: لا يوجد حتى الآن إطار قانوني قوي وواضح لتنظيم استخدام الطائرات المسيرة في المجالات المدنية والعسكرية. هذا يخلق حالة من عدم الاستقرار في السوق ويجعل الشركات المحلية تواجه صعوبة في تطوير مشاريع متكاملة. يجب وضع لوائح وقوانين مصرية تنظم السلامة الجوية واستخدام الطائرات المسيرة في الفضاء العام وحمايتها من الهجمات الإلكترونية.

    المنافسة العالمية الشديدة: صناعة الطائرات بدون طيار مليئة بالمنافسة من دول رائدة مثل الولايات المتحدة والصين وتركيا. هذه الدول تمتلك ميزات تنافسية من حيث التكنولوجيا المتقدمة، القدرة الإنتاجية، والأسواق الكبيرة. لذلك، يتعين على مصر تقديم منتجات مبتكرة بأداء متفوق وسعر تنافسي لاحتلال مكانة قوية في السوق العالمي.

    البنية التحتية المساندة : تطور صناعة الطائرات بدون طيار يتطلب بنية تحتية متقدمة، تشمل مراكز أبحاث، شبكات اتصالات متطورة، منصات اختبار للطائرات، ومرافق إنتاج حديثة. في الوقت الحالي، لا توجد البنية التحتية اللازمة لدعم هذا القطاع بشكل شامل في مصر.

    الظروف السياسية: الاستقرار السياسي يُعتبر عاملًا حاسمًا في جذب الاستثمارات الخارجية. التغيرات السياسية قد تؤدي إلى تقلبات في السياسة الاقتصادية، مما يؤثر على المشاريع طويلة المدى مثل صناعة الطائرات المسيرة.

    نقص الوعي والتدريب المهني: مصر بحاجة إلى زيادة الوعي العام حول أهمية الطائرات المسيرة في العديد من المجالات. كما يجب إنشاء برامج تعليمية وتدريبية متخصصة لتأهيل الشباب في مجال هندسة الطائرات المسيرة، البرمجيات، والذكاء الاصطناعي. تعزيز القدرات البشرية في هذا المجال سيكون أمرًا أساسيًا لبناء صناعة وطنية قوية.

     

    "فى الختام نخلص الى ان مشهد الصراعات العسكرية في القرن الحادي والعشرين يُعاد تشكيله على وقع أزيز الدرون في السماء، ومع كل ضربة دقيقة أو مهمة استخباراتية ناجحة، تتراجع أهمية المعارك الكلاسيكية أمام حرب "الذكاء الاصطناعي والطيران المسير". وفيما تحتدم المنافسة بين الولايات المتحدة، الصين، روسيا، وتركيا،واسرائيل  يتعيّن على مصربما تمتلكه من موقع استراتيجي وطموحات إقليمية أن تدرك أن امتلاك هذه التكنولوجيا ليس ترفًا عسكريًا، بل ضرورة سيادية واستراتيجية وركيزة من ركائز الأمن القومي والمكانة الجيوسياسية. ومصر لديها فرص كبيرة لأن تصبح دولة رائدة إقليميًا وعالميًا في مجال الطائرات بدون طيار (الدرون)، ولكن هذا يتطلب اولا اردة قوية ومواجهة العديد من التحديات التكنولوجية : المالية، التنظيمية، واللوجستية ، وتوجيه استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، هذا فضلا عن إنشاء البنية التحتية اللازمة لدعم الصناعة بالاضافة الى تعزيز التعاون بين القطاعين العسكري والمدني، وجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية في هذا المجال "

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن