البلازما لتوفير الوقود المبعث بشكل أفضل

  • لزمنٍ طويل عمل الباحثون على تطوير محركاتٍ تعمل بتقنية الاحتراق قليل الوقود، بهدف زيادة الكفاءة وخفض الانبعاثات الكربونية، لكن صعوبة إشعال الخليط قليل الوقود كانت العائق الأكبر الذي واجههم.

    وتنتشر في طرقات العالم اليوم قرابة المليار سيارة أغلبها مزودة بمحركات احتراقٍ داخلي تعمل بتقنية عمرها 150 عامًا، وما زالت التقنية ذاتها مستخدمة حتى اليوم في أغلب وسائل النقل من طائراتٍ وقطاراتٍ وسفن.

    ويلعب محرك الاحتراق الداخلي دورًا رئيسًا في كثير من نواحي الحياة، ويعود الفضل في ذلك إلى أجيالٍ من المبدعين الذين كرّسوا حياتهم وأنفقوا أموالًا طائلة لتطويره.

    وعلى الرغم من التطور الهائل الذي طرأ على محركات الاحتراق الداخلي يبقى عيبها الوحيد أنها تلوث كوكبنا. إذ ينتج عن احتراق الوقود الأحفوري غازات متعددة، أخطرها ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النتروجين اللذان يعرفان بالغازات الدفيئة. وتتسبب وسائل النقل بنحو ثلثها في بلدٍ كالولايات المتحدة على الرغم من التشريعات الهادفة إلى الحد من ذلك.

    ومع أن محرك الاحتراق الداخلي يلوث البيئة، فإن طرائق عِدة تجعله أنظف، لعل بعضها مرتبط بالشرارة الصادرة عن شمعة الإشعال.

    ويُمضي ديفيد هاول - مدير مكتب تقنية المركبات التابع لوزارة الطاقة الأمريكية - جلّ وقته باحثًا في مجال تطوير المحركات، وبلغ إنفاق المكتب لهذا العام نحو 70 مليون دولار على أبحاث الوقود والاحتراق، أي نحو ربع ميزانيته السنوية.

    وقال هاول «مع أننا نشهد تزايدًا ملحوظًا في أعداد المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطارية، فإن محرك الاحتراق الداخلي سيظل حاضرًا لفترةٍ طويلة.» وأضاف «ما زال أمامنا عمل كثير لزيادة كفاءة المحرك وتقليل انبعاثاته.»

    وتتناسب كفاءة المحرك عكسًا مع كمية انبعاثاته، فكلما زادت كفاءة المحرك قلّ استهلاكه للوقود، وقلت بذلك انبعاثاته.

    ولزيادة كفاءة المحرك طرائق عدة، منها استبدال البنزين بأنواعٍ أخرى من الوقود الحيوي أكثر رفقًا بالبيئة، وهو ما يعمل عليه مكتب تقنية المركبات منذ سنوات.

    وقال هاول «يعمل محرك الاحتراق الداخلي على طيفٍ واسع من أنواع الوقود، بعضها متجدد جزئيًا.»

    لكن يتعين على أنواع الوقود الجديدة هذه أن تكون رخيصة الثمن، وألا تقل كفاءةً عن البنزين حتى تتمكن من إزاحته والحلول مكانه في محطات التزود بالوقود، ويستغرق تحقيق ذلك وقتًا طويلًا. فضلًا عن أسبقية البنزين التي يصفها هاول بقوله «ما زال البنزين مستخدمًا طيلة قرنٍ من الزمن، طرأ خلاله تطوير كثير على خصائصه.»

    وريثما يكتمل تطوير الأنواع الجديدة من الوقود وتصبح جاهزةً للاستخدام، يعمل باحثون آخرون على تحسين البنزين العادي المستخدم.

    ويخلط محرك السيارة عادةً الهواء بالوقود في حجرة الاحتراق ثم يشعل الخليط بشمعة الإشعال، وتتوضع هذه الآلية -والتي تعود إلى قرنٍ من الزمن- داخل حجرة الاحتراق المثبتة في رأس الأسطوانة أعلى المحرك.

    فحين يتحرك المكبس نحو الحجرة العلوية، ويضغط خليط الهواء والوقود، تطلق شمعة الإشعال شرارة كهربائية خاطفة، تسبب اهتزازًا عنيفًا في جزيئات الخليط، يرفع درجة حرارته ويُنتج الغازات الدفيئة، والتي تُطرد خارجًا عبر العادم. وتعتمد إحدى طرائق تقليل الانبعاثات على زيادة نسبة الهواء المخلوط بالوقود في حجرة الاحتراق، أو ما يعرف بالاحتراق قليل الوقود.

    نظريًا قد تكون الفكرة بسيطة، لكن تطبيقها العملي ليس أمرًا سهلًا، فمحركات الاحتراق تحتاج إلى نسب دقيقة من خليط الهواء والوقود حتى تعمل بالشكل الأمثل، وقد يعطّل تغيير هذه النسب عمل المحوّل الحفاز، وهو نظام معالجة لاحق مصمم لتحويل الغازات الضارة كأكسيد النيتروجين إلى مواد أقل ضررًا. علاوةً على أن وجود الكثير من الهواء في حجرة الاحتراق قد يُفقد المحرك القدرة على إشعال الخليط.

    يقول وليام نورثدروب مدير مختبر المحركات في جامعة مينيسوتا «لو أمكننا تدوير المحركات بآلية الاحتراق قليل الوقود، لكان أثر ذلك عظيمًا على كفاءة المحرك.»

    ويضيف «لسنين حاول صانعوا السيارات تشغيل محركاتهم بآلية الاحتراق قليل الوقود، لكن زيادة الهواء في الخليط فوق حدٍ معين يجعله غير قابلٍ للاشتعال، وهو ما نسميه عتبة الاشتعال.»

    ويطلق ديميتريس أسانيس -خبير الاحتراق المتقدم من جامعة ستوني بروك- تسمية «جوهرة الديناميكا الحرارية» على المحرك القادر على إنجاز الاحتراق والاستمرار بالعمل قرب عتبة الاشتعال.

    فالهواء الزائد في الخليط يمكن تشبيهه ببالوعة حرارية تمتص بعض الطاقة المنبعثة من الاحتراق، فتخفض درجة حرارته، وخفض حرارة الاحتراق عنصر مهم جدًا في تحسين كفاءة المحركات وتقليل انبعاثاتها، لكن توجد هنا مشكلة، أوضحها دان سينجلتون، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة ترانزينت بلازما سيستمز بقوله «لا يمكن إشعال تلك الخلائط ذات الهواء الزائد باستخدام شمعات الإشعال العادية، فهي بطيئة جدًا في نقل الطاقة.»

    إذ يبرّد الهواء الزائد حرارة الشرارة قبل أن تنتشر بما يكفي لبدء تفاعل الاحتراق.

    ويعمل سينجلتون وزملاؤه منذ العام 2009 على تطوير نظام إشعالٍ من شأنه حل هذه المشكلة، وذلك من خلال تكثيف ميجاواطات من الطاقة، وتحويلها إلى نبضات من البلازما فائقة السرعة تُقاس بالنانوثانية تنشأ عن تأيّن الهواء المحيط بأقطاب شمعة الإشعال، هذه الطاقة الهائلة التي تعادل قوة ست شاحنات تتحرّر بسرعة تفوق البرق بمئات المرات.





    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن