الحياة الطيبة " 3 -7 "

  •        بقلم : د . ياسر بهاء

    سنتعرض فى هذه المقال ، ضمن سلسلة مقالات بعنوان " الحية الطيبة "  ما هو الدافع الأساسي لك في الحياة؟

    الانضباط الذاتي هو الإدارة والتحكم فيما نفعله اليوم من أجل تحقيق الأهداف طويلة الأجل وبالتالي ما يجب التركيز عليه عند القيام أو عدم القيام بأي سلوك هو تصديق ودعم هذا السلوك لتحقيق ما نسعى له مستقبلاً. فالانضباط الذاتي يساعد على رفض المتع والمكافآت الوقتية التي لا تتماشى مع الأهداف المستقبلية والتمسك بالأفعال التي تساهم في الوصول لتلك الأهداف.

    فعلى سبيل المثال إذا ما كان الهدف هو الوصول إلى جسم مثالي مستقبلاً؛ فهل هذا الهدف قوي لمقاومة طبق من الحلوى المشكلة مثل الكنافة والبقلاوة والبسبوسة بالقشدة اللذيذة؟ هذا الهدف لم يتم تحديده وصياغته بالشكل المناسب الذي يساعد في مقاومة تلك المغريات كلما تعرضت لها فقد تكون الإرادة قوية مباشرة بعد اتخاذ القرار بالتوقف عن تناول تلك الحلويات ولكن بمرور الوقت تذبل تلك الطاقة وتضعف الإرادة بسبب عدم وجود سبب قوي للاستمرار في الامتناع عن تلك السلوكيات غير الصحية.

    يجب أن يكون الهدف محددا بوضوح لتحقيق عائد أو فائدة محفزة بالقدر الكافي الذي يجعلك تستمر بنفس الطاقة والرغبة في الاستمرار في المقاومة حتى بعد تحقيق الهدف نفسه. فقد يكون الهدف هو خسارة عدد معين من الكيلوجرامات في الستة شهور القادمة وذلك لتجنب مرض ما أو ممارسة رياضة ما تحتاج إلى وزن معين أو ارتداء زي معين في مناسبة قادمة والوزن الحالي يمنع من ارتدائه وبالتالي قد لا استطيع حضور تلك المناسبة وغيرها من الأسباب أو الدوافع التي تمثل الوقود للاستمرار فيما تم تحديده واستهدافه.

    لك أن تتخيل حياتك بعد الوزن الذي تسعى للوصول إليه وكيف سيكون مظهرك وكيف ستشعر بتلك الخفة في حركاتك والأثار الرائعة التي ستترتب على ظهورك بهذا المظهر ورأي الآخرين فيك وتشجيعك غير المباشر لهم في اتباع نفس نظامك الغذائي ونظرتهم الواثقة لك ولإمكانياتك ووضعك في مكانة أولئك الذين تغلبوا على ظروفهم في ظل كل التحديات المستمرة وظروف الحياة غير المشجعة أحياناً. كل تلك مشاعر الفخر والامتنان والسعادة التي ستستمتع بها بمجرد وصولك لذلك الهدف هي الصورة التي يجب أن تضعها دائماً أمامك في كل الأوقات وبالأخص تلك الأوقات التي يظهر فيها ما يحاول إثناءك عما تسعى إليه.

    السؤال الآن، هل طبق الحلوى اللذيذ أمامك ومشاعر الرضا من تناوله والتي ستتلاشى بعد عدة دقائق كافية للتخلي عن تلك الصورة المستقبلية الرائعة والمشاعر المصاحبة لها؟ في هذه اللحظة ستشعر بقوة أكثر وستزداد ثقتك بنفسك بمجرد البعد عن تلك الحلويات وتناول ثمرة فاكهة تشعر بعدها بنفس السعادة والمذاق اللذيذ لتحقيق مبدأ المكافأة الذي يمثل العنصر الثالث من عناصر العادة وهنا أيضاً تتدرب على الاستمرار في تلك العادة الصحية المفيدة في نفس الوقت.

    وبالرغم مما سبق فإن تذكر الهدف المستقبلي ليس كافياً ولكن وضع صورة لما ستكون عليه أو تحققه مستقبلاً واستحضار تلك الصورة دائماً يعتبر من أهم الأدوات التي تساعد على تقوية عضلة القرارات لديك في رحلة تحقيق ذلك الهدف. تخيل لمدة دقيقة كيف ستكون تلك الصورة وماذا ترى أو تسمع حولك عند تحقيقها. عند تخيل تلك الصورة والاستماع لنفسك ولمن حولك ستزداد لديك الإرادة لاتخاذ القرار الصحيح الذي يتماشى ويتناسق مع تحقيق تلك الصورة المستقبلية الرائعة.

    ولكن على الجانب الآخر، وفي بعض الحالات فإن كثرة تلك العملية من تصور الحصول على الهدف والشعور بمشاعر الإنجاز قد تؤدي إلى التكاسل وأحياناً التوقف الكامل عن مطاردة ذلك الهدف فقط بسبب الحصول على المشاعر المصاحبة لتحقيقه عن طريق عملية التخيل تلك. فما هو الحل إذاً؟

    دعني أخبرك عن أداة آخرى أقوى من مجرد  تخيل الصورة النهائية لتحقيق ذلك الهدف ألا وهي التصور الفعلي للرحلة نفسها من ممارسة أنواع الرياضة المناسبة لتحقيق تلك الرؤية وتصور أيضاً مواقف ترفض فيها أي مؤثرات خارجية تحيدك عن تحقيق هدفك وكلما كانت تفاصيل تلك الرحلة والسلوكيات أقوى وأوضح كلما كنت مستعداً لاتباع تلك السلوكيات عند الحاجة لها. بالإضافة إلى ذلك فإنه بمجرد تصور الوصول لهدفك النهائي والشعور بذلك الإنجاز وما يصحبه من إنجازات أخرى فإن هرومون الدوبامين والمسئول عن السعادة سيزداد ومعه سيقوى شعور السعادة الذي يؤثر بشكل كبير على تقوية الإرادة في أولاً الاستمرار في الالتزام بما هو مفيد وثانياً مقاومة ما هو غير مفيد.

    وبالتالي عندما يتغير التصور المستقبلي والتركيز على تحقيق الهدف فقط إلى أيضاً تصور السلوك والأفعال المطلوبة لتحقيق ذلك الهدف، ستكون الرحلة أقصر وأسهل مع مراعاة استحضار تلك الصور الذهنية دائماً حيث تكون مستعداً دائماً لمواجهة أي تحديات في طريق الوصول إلى الالتزام بتحقيق ما تسعى إليه..

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن