التحول الرقمي وحقوق الغلابة

  • بقلم : إسلام محفوظ

    حدثنى أحد الزملاء أنه كان يعمل في شركة لتصنيع وتجارة الملابس وكان يعمل بالشركة شخص في غاية النزاهة والأخلاق الكريمة والإخلاص والإتقان في العمل وكان مسئولا عن توريد المواد الخام للشركة وأيضا توزيع وتسويق المنتجات ، واستطاع تكوين شبكة واسعة من الموردين والعملاء وحقق للشركة مكاسب هائلة ، وفي أحد الأيام خرج من الشركة في مهمة عمل وبمجرد خروجه تعرض لحادث أودى بحياته على الفور .

     وعندما علمت الشركة أصيب الجميع بالذهول والحزن الشديد على زميلهم ، إلا صاحب الشركة هذا الرجل معدوم الضمير والأخلاق الذي بمجرد علمه بالوفاة أرسل إلى مدير الشئون الإدارية وأمره بإخفاء ملف الزميل والتخلص من الكارت الخاص بحضوره وانصرافه وإصدار قرار فصل للزميل بتاريخ سابق على الوفاة بأكثر من شهر ، وأخبر الموظفين إذا سألكم أحد عنه قولوا لم نره منذ أكثر من شهر ومنقطع عن العمل ولا نعرف عنه شيئا ، وبالتالي لم يدفع لأولاد الزميل اليتامى وزوجته أي شيء من حقوقهم كمكافأة نهاية خدمة أو تعويض بل لم يحصلوا على معاش عن فترة عمله بالشركة.

    ولأننا نعلم أن زميلنا مات وهو على قوة العمل بالشركة بل إنه مات أثناء مهمة عمل لصالح الشركة ، قمنا بجمع مبلغ من المال وأعطيناه لزوجته التى بدأت مشروعا في نفس مجال عمل زوجها فكانت تجلب المواد الخام من الموردين وتقوم بتوزيعها على مصانع الملابس ثم تأخذ الإنتاج وتقوم بتوزيعه على العملاء والتجار الذين كان يعمل زوجها معهم ، ووقف الجميع بجانبها بعدما عرفوا ما حدث من صاحب الشركة عديم الأخلاق والضمير ، ونما المشروع وكبر وأصبح من كبرى الشركات في هذا المجال ، والغريب أن الشركة التى كنا نعمل بها أفلست بعد فترة وجيزة وأفلس صاحبها آكل مال اليتامى ظلما وعدوانا .

    طبعا القصة فيها الكثير من الدروس والعبر أهمها أن الله يمهل ولا يهمل وغيرها من العبر والعظات ،إلا أن الذى أثارني أنا في هذه القصة كيف ضاع حق هذا الرجل والذى أكيد أنه ليس الوحيد بل هناك الكثيرين مثله الذين تضيع حقوقهم كل يوم مع مثل هؤلاء الوحوش البشرية من أصحاب الأعمال ؟

    ولماذا لا يكون لدينا أداة أو وسيلة نحفظ بها حق هؤلاء الطيبين ؟ وبعد تفكير عميق توصلت إلى فكرة أن التحول الرقمي والتقدم التكنولوجي ممكن أن يكون له دور كبير في ذلك .

    وتتبلور الفكرة في إنشاء موقع رسمي تابع لوزارة الاستثمار أو وزارة القوى العاملة أو مجلس الوزراء ، وينقسم هذا الموقع لقسمين : القسم الأول : خاص بالشركات فبمجرد أن تنتهى الشركة من إجراءات تأسيسها تقوم مصلحة الشركات بفتح حساب للشركة على هذا الموقع وأن يسجل بالحساب كل بيانات الشركة مثل رأس مالها وحجم أصولها والتزاماتها ونوعها وأن تحدد عدد العاملين لديها وأسمائهم وتنشر بياناتهم على الموقع وتاريخ تعيينهم ومرتباتهم ومؤهلاتهم وغير ذلك وطبعا هذه المعلومات لن تكون متاحة للجميع إلا للشركة والقائمين على الموقع .

    كما يتم تسجيل أيضا الشركات القائمة قبل إنشاء الموقع وتسجل في حساب الشركة على الموقع كل البيانات عن الشركة وأهم هذه البيانات عدد العاملين بها وأسماؤهم ووظائفهم وتاريخ تعيينهم وغيرها من البيانات المتعلقة بالعاملين .

    أما القسم الثانى من الموقع : فيكون خاص بالأفراد ممن هم في سن العمل ويكون التسجيل فيه بالرقم القومى ويسجل فيه مؤهلاته وخبراته واسم الشركة التى يعمل بها ، فإذا كانت الشركة مسجلة على الموقع وهو من ضمن العاملين بها اسمه مسجل في صفحة الشركة على الموقع عندها سوف تظهر علامة صح بالضوء الأخضر أمام اسم الشركة ، أو تظهر رسالة تأكيد للعضو أنك فعلا من العاملين بهذه الشركة .  

    فإذا كانت الشركة ليست مسجلة على الموقع أو كانت مسجلة على الموقع ولكن لم تسجل الشخص من ضمن العاملين بها على صفحتها في هذه الحالة سوف تأتي رسالة من الموقع مفادها أن الشركة غير مسجلة بالموقع وبالتالي فهى غير رسمية وأنك ممكن أن تتعرض لعملية نصب إذا استمررت بالعمل لديها، وأما إذا كانت الشركة مسجلة بالموقع ولكن اسمك ليس بها وغير مسجل على صفحتها عندها سوف تأتيك رسالة بذلك مع تحذير إذا كنت تعمل بهذه الشركة فإن عملك بصفة غير رسمية وأنك تتحمل كل المخاطر المترتبة على ذلك .

    فإذا أنهت الشركة خدمة أحد العاملين بها في أي وقت وجب عليها أن تخبر الموقع بذلك في الحال والذي بدوره يرسل إشعارا للعامل أن تعاقدك انتهى ويحدد تاريخ الانتهاء بالضبط ، وبالتالي تظل حقوق العامل محفوظة لدى الشركة حتى آخر لحظة عمل بها . فإذا حدث وتوفى العامل ولم تبلغ الشركة الموقع بأنها انهت عمله قبل تاريخ الوفاة يصبح تاريخ الوفاة هو تاريخ انتهاء التعاقد ويحصل الورثة على كل حقوقهم حتى يوم الوفاة .

    فوائد الموقع المتوقعة : سوف يساهم الموقع في رسم صورة واضحة وحقيقية عن الاقتصاد المصري وخصوصا فيما يتعلق بعدد الشركات وأحجام رؤوس أموالها وحجم أصولها والتزاماتها وأرقام أعمالها وحجم القوة العاملة لديها وغيرها من البيانات المالية والكمية عن الشركات ، كما سيساهم الموقع في الوصول إلى معدلات البطالة الواقعية في الدولة . حيث إن أي شخص في سن العمل بإمكانه التسجيل بالموقع ووضع مؤهلاته وخبراته ومكان عمله فإذا انتهى عمله مع إحدى الشركات ظهرت بياناته أنه كان يعمل بهذه الشركة خلال المدة ويحدد بداية ونهاية فترة عمله بالشركة، وأنه الآن بلا عمل وبالتالي تتغير نسبة البطالة تلقائيا لتعبر عن الواقع الفعلى .

    كما تصبح فترة عمله بالشركة فترة خبرة تضاف إلى رصيد خبراته في مجاله . كما أن بيانات الأعضاء من الأفراد راغبي العمل سوف تصبح متاحة أمام أصحاب الأعمال فإذا أراد أحد أصحاب الأعمال توظيف شخص عنده يراسله عن طريق الموقع ويتعاقد معه فيحدث تحديث في بيانات الفرد وبيانات الشركة وتحديث معدل البطالة على المستوى القومي .

    والأهم من ذلك كله أنه سوف يحفظ حقوق الكثيرين من العاملين بالقطاع الخاص من ظلم واستغلال أصحاب الأعمال عديمي الأخلاق وسوف تمكن العامل من الحصول على كل حقوقه مثل حقه في راتب مناسب وتأمين صحي ومعاش بعد خروجه من العمل أو وفاته . أتمنى أن تجد هذه الفكرة صدى عند المسئولين مع إمكانية التعديل والتطوير والتحديث في الفكرة حتى نصل إلى المستوى الأمثل الذي يساهم في حفظ حقوق الغلابة وتحقيق التنمية المستدامة لوطننا الحبيب .

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن