بقلم : لطيفة زناينة
مستشارة في استراتيجيات الذكاء الاصطناعي، خبيرة في التواصل الفندقي الفاخر ومحللة بيانات للسياحة الدولية – مكتب الاستشارات "إيليت كونسالتينغ"، باريس
تستعد أبوظبي لإعادة رسم ملامح صناعة الترفيه العالمية. فقد أعلنت مجموعة ديزني رسميًا عن إنشاء منتزه ترفيهي جديد مغلق بالكامل، على جزيرة ياس، التي أصبحت في غضون سنوات قليلة مركزًا للسياحة التجريبية في دولة الإمارات العربية المتحدة. يمثل هذا المشروع، على مستوى عالمي، محطة استراتيجية تجمع بين الابتكار التكنولوجي، السرد الغامر، والتأثير الاقتصادي طويل الأمد.
بصفتي مستشارة في استراتيجيات الذكاء الاصطناعي، متخصصة في التواصل الخاص بالفنادق الفاخرة ومحللة لتوجهات السياحة الدولية في مكتب "إيليت كونسالتينغ" في باريس، أرى في هذه المبادرة انعكاسًا لتحول كبير في مفاهيم السياحة: عصر جديد يُبنى على البيانات، والتجربة، والقيمة المضافة.
شراكة استراتيجية بين الإبداع والرؤية الإقليمية
جاء المشروع ثمرة تعاون بين "ميرال"، مطور المشاريع الاستراتيجية في أبوظبي، وشركة "والت ديزني"، ويعكس طموح الإمارة الواضح في أن تصبح مرجعًا عالميًا في قطاع الترفيه. توفر ديزني إبداعاتها وتراخيصها، بينما تتولى "ميرال" التمويل، والإشراف الكامل، وربط المشروع بالنسيج الاقتصادي المحلي.
توجه راقٍ يستهدف السياحة العائلية الراقية
يستهدف المنتزه جمهورًا عائليًا عالميًا عالي الإنفاق، يتطلع إلى تجارب غامرة وفريدة. ووفقًا لبيانات "إيليت كونسالتينغ"، سجلت المنطقة نموًا في السياحة بنسبة 46٪ بين عامي 2019 و2023، مدفوعًا بترقية العروض واستقرار ما بعد الجائحة. اليوم، تحتل أبوظبي موقعًا محوريًا على خريطة السياحة الدولية.
طموح قابل للقياس: أرقام تتحدث
أهداف المشروع تعكس حجم استثماره:
14 مليون زائر متوقع سنويًا بحلول عام 2030
مساهمة متوقعة للقطاع السياحي بنسبة 12٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028
نمو سنوي لسوق المنتزهات الترفيهية الإقليمية بنسبة 11.4٪
هذه الأرقام، التي جمعتها "إيليت كونسالتينغ"، تؤكد البعد الاستراتيجي للمشروع في تعزيز الاقتصاد السياحي الإماراتي.
إنجاز تكنولوجي لمواجهة التحديات المناخية
صُمم المنتزه للعمل على مدار العام، وهو مغطى بالكامل ومكيف لمواجهة درجات الحرارة القصوى في المنطقة. سيكون بذلك أول منتزه "ديزني" مغلق تمامًا في العالم، في إنجاز تقني يهدف إلى راحة الزوار.
هوية ثقافية راسخة في صميم التصميم
بعيدًا عن النماذج الغربية المستنسخة، سيعكس ديزني لاند أبوظبي مضمونًا متجذرًا في الثقافة العربية: قصص، شخصيات وتصاميم مستوحاة من التراث المحلي، مع لمسة ديزني العالمية. استراتيجية الاندماج الثقافي هذه تهدف إلى جذب الجمهور الإقليمي مع الحفاظ على جاذبيته الدولية.
استثمار غير مسبوق لمشروع طموح
تُقدّر تكلفة المشروع بأكثر من 10 مليارات دولار أمريكي، ما يجعله من أضخم الاستثمارات في قطاع المنتزهات الترفيهية على الإطلاق. التمويل بالكامل تتحمله "ميرال"، بينما تسهم ديزني في التصميم عبر وحدة "Imagineering" الإبداعية.
من المتوقع أن تمتد أعمال البناء ما بين خمس إلى سبع سنوات، على أن يتم الافتتاح في أوائل ثلاثينيات القرن الحالي. بالمقارنة، كلف ديزني لاند شنغهاي نحو 5.5 مليار دولار لمشروع أصغر حجمًا.
رافعة اقتصادية: فرص عمل، ابتكار، وضيافة
من المتوقع أن يولد المشروع:
8000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة
إطلاق واسع لتقنيات الواقع المعزز، الذكاء الاصطناعي، والأجهزة الذكية
نمو بنسبة 38٪ في قطاع الفنادق الفاخرة ذات الخمس نجوم بين عامي 2025 و2028
هذا يعزز موقع المنتزه كمحرك اقتصادي ذا قيمة مضافة عالية.
فرصة غير مسبوقة لقطاع الفنادق الفاخرة
سيساهم المنتزه في إعادة هيكلة العرض الفندقي الراقي. ستتمكن العلامات الفندقية الكبرى من الاستفادة عبر باقات حصرية، خدمات موقعة بالشراكة مع ديزني، وتجارب قائمة على سرد قصة الوجهة.
الذكاء الاصطناعي في قلب التجربة
سيُبنى المنتزه كبيئة ذكية، معتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي في:
تحسين تدفق الزوار
تخصيص الخدمات والتوصيات
إدارة آنية للتجربة والرضا
نموذج مثالي لسياحة معززة، حيث تضيف التقنية قيمة إلى المشاعر الإنسانية دون أن تحل محلها.
خاتمة: ديزني لاند أبوظبي نموذج للسياحة المستقبلي
لا يقتصر ديزني لاند أبوظبي على كونه منتزهًا ترفيهيًا مذهلًا. بل هو ترجمة فعلية لتحول جذري في مفهوم الوجهات السياحية: أكثر ابتكارًا، أكثر ثقافة، وأكثر استراتيجية.
بالنسبة إلى صناع القرار والعاملين في مجالات السياحة، الضيافة الفاخرة، والاستراتيجية الإقليمية، يمثل هذا المشروع مصدر إلهام ودعوة إلى إعادة التفكير، الابتكار، وتبني معايير جديدة تتماشى مع تطلعات جمهور عالمي أكثر وعيًا وتطلبًا.