عصر اللاحقيقة.. وسقوط الأقنعة

  •  

    نبضات

     

    بقلم : خالد حسن

    مع تزايد تأثير الذكاء الاصطناعي على الإنترنت ولاسيما شبكات التواصل الاجتماعي العالمية فإننا مقبلون على موجة جديدة من التزييف الرقمي والأخبار المغلوطة والتى ربما يكون من المستحيل على المستخدم العادي عدم تصديقها خاصة عندما تكون هذه الأخبار موثقة بالصور أو الفيديوهات . 

    وفي هذا الإطار قام الاتحاد الأوروبي بإصدر رسائل متعددة إلى منصات التواصل الاجتماعي العالمية ، بما في ذلك إكس وتيك توك وميتا، يطالب فيها بتفسيرات مكتوبة لانتشار "خطاب الكراهية" و"المحتوى الإرهابي" وغيره من المحتويات العنيفة على منصاتها في ظل العدوان الصهيوني على سكان قطاع غزة منذ نحو شهر تقريبا .

    وفي نفس الوقت طالبت تل أبيب بتغيير خوارزميات موقع التواصل الاجتماعي «تيك توك»، للحيلولة دون نشر صور أو مقاطع فيديو مناهضة لعملية إسرائيل العسكرية في قطاع غزة اذ وفقا لتقرير نشره موقع قناة «كان» الإسرائيلية إن «تيك توك» بات معاديًا للسامية بما فيه الكفاية، خاصة وهو يتبنى الرواية الفلسطينية إزاء ما يجري في قطاع غزة، ويثير بذلك ردود فعل غاضبة حيال إسرائيل  ، لاسيما أن 38% من شباب العالم يستخدمون الموقع بمعدل يزيد على ثلاث ساعات يوميًا وجاء الموقف الإسرائيلي تعليقًا على مقطع فيديو منشور على «تيك توك»، تظهر فيه مظاهرة حاشدة، نظمها وشارك فيها طلاب إحدى المدارس الثانوية بولاية سان فرانسيسكو الأمريكية.

    أشار التقرير في مكان على بعد 11,973 كيلومترًا من إسرائيل، وفي مدرسة «بالبوا» الثانوية بولاية سان فرانسيسكو، قام تلاميذ المدرسة بتحميل وتوزيع مقطع فيديو على Tiktok لأنفسهم وهم يسيرون عبر الممرات ويغنون «من النهر إلى البحر»، وهو أحد شعارات الحرب التي تدعوا إلى محو إسرائيل، بينما يلوحون بفخر بعلم فلسطين».

    ووفقًا لبحث أجرته مؤسسة "  Ofcom" ، يعد موقع TikTok حاليًا أهم مصدر إخباري بين الشباب في إنجلترا والعديد من دول العالم. وأبدى معدو تقرير القناة الإسرائيلية تحسبًا من تنامي وعي الجيل الجديد عبر استقاء الأخبار والمعلومات من الموقع الذي أضحى أكثر شعبية من «meta»، و«X» .

    وبالطبع يتساءل العديد من متابعي منصات التواصل عن الأسباب التي جعلت منصة " تيك توك " تبدو منحازة بشكل كبير إلى الرواية الفلسطينية للأحداث الجارية في غزة، منذ 7 أكتوبر الماضي ، بدلاً من تلك الإسرائيلية، كما هو الحال على فيسبوك أو يوتيوب أو إكس، وغيرها من مواقع التواصل.

    الا انه من وجهة نظرى ان الدعاية الكاذبة والاخبار المغلوطة والفبركة اللا منطقية التي حاولت آلة الدعاية الصهيونية تصديرها الى العالم عبر شبكات التواصل الاجتماعي العالمية للسيطرة على الرأي العام العالمي ، خاصة الشعب الأمريكى ، هي ما دفعت الرأي العام العالمي إلى تصديق الرواية الفلسطينية والتعاطف مع الشعب الفلسطيني والمطالبة بإيقاف العدوان الصهيوني الأمريكي على المدنيين العزل من سكان قطاع غزة وهو ما ظهر في قرار هيئة الأمم المتحدة ومطالبة 120 دولة بإيقاف العدوان الغاشم وحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة .

    ودفعت هذه النظرة إلى منشورات تيك توك إلى رفع الصوت من قبل الأطراف المتطرفة والإسرائيلية في الولايات المتحدة إلى زعم أن المنصة تهدد الأمن القومي، بادعاء أنها تنشر معلومات كاذبة عن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وتروج لمقاطع فيديو أمام الشباب، تؤيد "الرواية الإرهابية"، حسب وصفهم.

    ويظهر من خلال مراجعة منشورات تيك توك أن المستخدمين أكثر تقبلاً للمحتوى الذي يميل إلى تأييد فلسطين، مع حصول الوسوم المتعلقة بالقضية الفلسطينية على مشاهدات أكثر من الوسوم المرتبطة بإسرائيل.

    وفى نفس الإطار ،ذكرت تقارير صحفية ، أن نسبة كبيرة من مستخدمي تيك توك يعبرون ببساطة عن دعمهم للقضية الفلسطينية، ولكن هناك محتوى آخر مهم يتضمن كل شيء بهذا الملف، بدءاً من التفسيرات التاريخية عن القضية، بعضها مشوه للحقائق، والبعض الآخر دقيق جداً، تتم مشاركة لقطات جيوية من غزة، وهناك طبعاً الادعاءات المضللة أو المبالغ فيها بشأن التوسع الحربي، الذي بدأ في 7 أكتوبر الماضى ، ومقارنات بين هجوم حماس على إسرائيل وتاريخ الأخيرة في الداخل الفلسطيني.

    وفي الملف عينه، هناك عوامل عدة تفسر هذه الشعبية المتزايدة للمشاعر المؤيدة للفلسطينيين والمعادية لإسرائيل عبر تيك توك وأول هذه الأسباب الواضحة لرواج النظرة المؤيدة لفلسطين أن النسبة الأكبر من مستخدمي تيك توك من الشباب، وأظهرت استطلاعات الرأي أن الأجيال الشابة، على الأقل تلك المتواجدة في الولايات المتحدة، أكثر ميلاً للتعاطف مع فلسطين وانتقاد إسرائيل من الأمريكيين الأكبر سناً.

     من دون نسيان أن جيل "زد" يتجه بشكل متزايد إلى تيك توك للحصول على الأخبار، بحسب دراسة رويترز، من وسائل الإعلام التقليدية. كما أن تطبيق تيك توك يحظى بشعبية خاصة في العديد من البلدان، التي يميل سكانها إلى تأييد فلسطين أكثر من الولايات المتحدة، بما في ذلك إندونيسيا وتركيا.

    ووفقا للتقرير قال أدريان ماساناري ـ خبير الاتصالات ، إن خوارزمية تيك توك، مثل باقي منصات التواصل، قائمة على فكرة المشاركة، التي بدورها تغذي الاستقطاب، إذ إن مقاطع الفيديو المقترحة في التطبيق تعتمد بشكل كبير على سلوك المستخدم نفسه، لذا فإن إظهار الاهتمام بفيديو واحد متعلق بفلسطين يمكن أن يؤدي إلى تدفق هذا النوع من المحتوى على صفحة "من أجلك"، وبالتالي يبدو أمام المستخدم كما لو أن كل المحتوى الموجود على المنصة يأتي من هذا المنظور المحدد، الأمر الذي قد يدفع بالمزيد من منشئي المحتوى إلى إبداء رأيهم عن حرب إسرائيل على حماس، من خلال المنظور الفلسطيني.

    يلجأ العديد من الشباب إلى تطبيق تيك توك لشعورهم بخيبة أمل من المنافذ الإعلامية التقليدية، ومنصات التواصل الاجتماعية الأخرى ويعتبر مستخدمو تيك توك أن التطبيق يوفر نافذة غير مراقبة بشأن قضايا متعددة، واصفين المنصة بأنها وسيلة فعالة لنشر المعلومات. وهذه النظرة تضاف إلى الانتقادات العديدة التي وجهت إلى إنستجرام وفيسبوك بالأسابيع الماضية لحجبها - عن طريق الخطأ بحسب اعترافات ميتا (المالكة للمنصتين) - مواد تتعلق بالأقصى أو فلسطين، بحجة دعم الإرهاب، مقللة ظهور المحتوى المؤيد لفلسطين، ومضيفة بشكل غير دقيق كلمة "إرهابي" إلى بعض السير الذاتية للحسابات المكتوبة باللغة العربية، أو حاجبة صفحات وحسابات عن المنصة.

    أدت الحرب، كما أي حدث مشابه، إلى طوفان من المعلومات الكاذبة أو المسيئة على منصات التواصل، من جميع أطراف النزاع. ويسمح تيك توك، كما منصات أخرى، بتعزيز المنشورات في نتائج البحث مقابل بضعة دولارات، بحسب مجلة "فورتيون"، الأمر الذي يفتح طريقاً منخفض التكلفة لنشر الدعاية حول الحرب.
    وذكرت تيك توك الأسبوع الماضي أنه منذ اندلاع حرب غزة وإسرائيل، أزالت المنصة أكثر من 775 ألف مقطع فيديو، وأغلقت أكثر من 14 ألف بث مباشر انتهكت إرشاداتها الخاصة بالترويج للعنف أو الإرهاب، أو خطاب الكراهية أو الأكاذيب.

    لا يمكن لأي مستخدم على منصة إكس (تويتر سابقاً)، ألا ينتبه إلى أن المحتوى المناهض للرواية الفلسطينية والداعمة لإسرائيل ينتشر بقوة من خلال الحسابات المنبثقة أو المسجلة في الهند أما على تيك توك، فيغيب هذا المحتوى تماماً، والسبب يعود إلى أن السلطات الهندية اتخذت عام 2020 قراراً بحظر تطبيق تيك توك، من بين منصات أخرى، منذ الاشتباك العسكري مع الصين آنذاك. كما أن اليمين الهندوسي، المهيمن سياسياً في الهند، والمتحالف مع إسرائيل، كان المنضوون بداخله يضخون كميات ضخمة من المحتوى المؤيد لإسرائيل على الإنترنت، أغلبه مضخم وغير دقيق، ولكن كل ذلك غائب عن تيك توك بسبب الحجب، ما ترك فراغاً كبيراً في المنشورات لمعادلة تلك التي تدعم الرواية الفلسطينية.

    فى النهاية نؤكد ان عملية استهداف المحتوى الفلسطيني عبر منصات التواصل الاجتماعي، يعكس ازدواجية معايير تتناقض مع مبادئ النزاهة والعدالة ومبادئ حقوق الإنسان المؤكدة على حرية الرأي والتعبير كما أن إغلاق مئات الحسابات والصفحات الفلسطينية وتقييد الوصول إليها في حين تعج الحسابات والصفحات الإسرائيلية بخطاب الكراهية والعنصرية دون أن يطالها أي قيود من قبل منصات التواصل الاجتماعي، مشددًا على أن ذلك النهج هو محاربة المحتوى الفلسطيني وانخراط إدارة شركة "ميتا" في خدمة إسرائيل عبر فتح المجال واسعًا أمام روايته الكاذبة وتحريض الحسابات الإسرائيلية السافر على الشعب الفلسطيني.

    كما نشارك الشرفاء والنقابات الصحفية حول العالم فى أن استهداف المحتوى الفلسطيني يعد دعمًا لجرائم تل أبيب الموغلة في إراقة دماء الصحفيين الفلسطينيين وتدمير مقار المؤسسات الإعلامية الفلسطينية في إطار سعيه الدؤوب لحجب الرواية الفلسطينية وإخفاء جرائمه عن أنظار العالم، فضلًا عما يشكله من مصادرة لحق الشعب الفلسطيني والمتضامنين مع قضيته العادلة في حرية الرأي والتعبير، بما يمثل عدوانًا سافرًا يخل بالقوانين الدولية والمواثيق والأعراف الإنسانية .

    &

     

     

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن