الضبابية المعلوماتية .. ومستقبل المواقع الصحفية

  • نبضات

    بقلم : خالد حسن

    منذ أكثر من عقدين من الزمن ومع ظهور ما بات يعرف بشبكات التواصل الاجتماعي العالمية أو " السويشال ميديا "  كانت هناك علاقة وطيدة بين هذه المنصات الالكترونية وبن كل من المؤسسات الصحفية والاعلامية حيث كان هناك نوعة من الشراكة ، الغير رسمية ،  وليست موثقة فى صورة عقود تحفظ لكل طرف حقوقه المالية وحقوق الملكية الفكرية وتضمن ان تعم الفائدة من مفهوم الاعلام الرقمي الجديد والذى يدمج بين ثورة الاتصالات والانترنت والاعلام التقليدي .

    وللاسف لم ينتبه أحد او بالإحري لم يتوقع أحد أن ينمو دور المنصات الرقمية بهذه الصورة لتستحوذ على الانترنت،  بالمعنى الحرفي للكلمة ، حيث باتت تمثل هي الانترنت للملايين من المستخدمين حول العالم والذين هجروا زيارة المواقع الالكترونية للمؤسسات الصحفية والاعلامية معتمدمين بصورة كبيرة على زيارتهم لصفحاتهم وحساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعي العالمية والتي استفادة من قيام المؤسسات الصحفية والاعلامية بفتح حسابات وصفحات لها على هذه الشبكات دون ان تدري انها بذلك تسحب البساط من تحته أرجلها وما يخبئها لها التحول الى العالم الافتراضى من تغيرات فى اهم مواردها المالية وهو الاعلانات التجارية والرعايات المالية.

    وفى الحقيقة نجحت منصات التواصل الاجتماعي العالمية فى انتهاز الفرصة بصورة مثالية واستثمرت اموال ضخمة فى تطوير بنيتها التكنولوجية التحتية فى ظل الدعم الكبير الذى كانت تقدمها لها الصحافة ومختلف وسائل الاعلام سواء من خلال تقديم المحتوى بصورة مجانية او من خلال تسليط الضوء والحديث المستمر عن هذه المنصات ، وهو ما ادي الى زيادة عدد مستخدمي هذه الشبكات الى مئات الملايين حول العالم وهنا بدأت هذه المنصات فى تغير استراتيجيتها بصورة جذرية .

    فمع عدم تحمل هذه المنصات لاى تكاليف مالية لانتاج المحتوى او إعداده فانه بدأت التفكير فى كيفة استثمار هذا الاقبال الكبير عليها لمتابعة هذا المحتوى ، والتى تقوم باعدادها المؤسسات الصحفية والاعلامية ، من خلال دخول الى مجال الاعلانات الرقمية وتنظيمها حملات نوعية لصالح كافة مؤسسات الاعمال ، مختلف احجامها او مجال عملها ، الامر الذى تم ترجمته فى صورة انهار الاموال وجني هذه المنصات للارباح من خلال استحواذها الكامل على ما بات يعرف بالاعلانات الرقمية والتى رويدا رويدا اصبحت تشكل النسبة الاكبر من حجم سوق الاعلانات العالمي .

    وبعد أن فطنت المؤسسات الصحقية ووسائل الاعلام للمطب أو المصيدة،  التى أوقعت نفسها فيها ، كان الوقت فات وأصبحت اليد العليا لمنصات التواصل الاجتماعي فى سوق الاعلانات العالمي ومع قدوم جائحة فيروس " كورونا " وتراجع حجم النشاط الاقتصاد العالمي وتخفيض غالبية مؤسسات الاعمال لميزانيات الدعاية والاعلان الخاصة بها إزداد الامر سوءا بالنسبة للمؤسسات الصحفية فهى بين مطرقة تراجع حجم الاعلانات ويين سندان زيادة سيطرة منصات التواصل الاجتماعي على هذا السوق .

    وبالطبع ظن الكثير أن دور المؤسسات الصحفية والصحفيين المحترفين قد انتهي والى الابد لاسيما مع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليد والذى يمتلك العديد من المزايا لعل اهمها قدرته على كتابة المقالات ، من خلال جمع البيانات واستخراج المعلومات ، الا انه وفى نفس الوقت ومع تراجع دور المؤسسات الصحفية فى إعداد المحتوى الرقمي الموثق بدأت تشهد كافة شبكات التواصل الاجتماعي زيادة كبيرة جدا فيما يعرف بالأخبار المزيفة والمعلومات الغير حقيقة وهو ما بات يعرف باسم " الضبابية المعلوماتي " حيث تؤكد الدراسات ان أكثر من 60 % من المحتوى المتداول على شبكات التواصل الاجتماعي العالمية اما ه محتوى غير موثق ومجهول المصدر أو على الأكثر عبارة عن اراء شخصية لمستخدمي هذه الشبكات وليس هناك اى معايير لضمان جديته او حتى الوثوق به .

    وفى تصورى  ان" الأخبار المزيفة " أصبحت أحد أخطر التهديدات الجوهرية لاستمرار منصات "السويشال ميديا العالمية " فى المستقبل القريب بل ان تقنيات " الذكاء الاصطناعي " أصبحت تمثل قوة دافعة جديدة وكبيرة لانتشار الأخبار المزيفة خاصة الصور والفيديوها ناهيك عن الأخبار الامر الذى دفع الكثير من مستخدمى منصات التواصل الاجتماعي لفقدان الثقة فى الكثير من المحتوى المتداول على شبكات التواصل بل والحديث عن ضرورة هجرة هذه المنصات والعود مرة اخرى الى مصادر الاخبار الموثقة من خلال المؤسسات الصحفية الأحترافية .

    فى اعتقادي أنه " رب ضرة نافعة " أن ما تشهده منصات السويشال ميديا من أخبار مزيفة وطوفان من التضليل الاعلامي خلال الهجوم العدواني الاسرائيلى على قطاع غزة بل وعدم حيادية هذه المنصات وتحيزها الى الطرف المعتدي وتجاهل كافة الحقوق المشروعة والقانونية للطرف المعتدى عليه فان حركة هجرة هذه المنصات بدأت فى التزايد لصالح الوصول الى المواقع الالكترونية والتطبيقات المحمولة للمؤسسات الصحفية والقنوات التليفزيونية المعتمدة والتى تعمل وفقا للمعايير الاحترافية التى تضمن مصادر موثقة لكافة المعلومات التى تقدمها للقارىء .

    فى النهاية تؤكد تقارير مؤسسة سيميلار ويب  (Similarweb) انه منذ انتشار جائجة " كوفيد _ 19 "  وأن هناك تزايد فى اقبال مستخدمى الانترنت والقراء فى الاتجاه مباشرة إلى المواقع الالكترونية للجهات الصحفية المعتمدة التي تولت مسؤولية اعداد الاخبار منذ عقود لما تتمتع بع من الثقة والوضوح  ومن ثمة نتوقع ان يستمرهذا الاتجاه فى المستقبل لتعود المواقع الاخبارية للمؤسسات الصحفية المصدر الاول للاخبار الموثقة والمعلومات الصحيحة وتظل منصات السويشال ميديا رهينة المعلومات المزيفة والمضللة .

     

     

     

     

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن