سيناريوهات العزوف عن تمويل شركات التكنولوجيا

  •        بقلم: خالد حسن

    في ظل أصداء السقوط السريع لبنك سيليكون فالي " Silicon Valley Bank "  ، الأمريكي المتخصص في تمويل شركات التكنولوجيا بصورة أساسية والذي يحتل المرتبة الـ 17 كأكبر بنك في الجهاز المصرفي الأمريكية بحجم اعمال يناهز 215 مليار دولار  ، فهل نحن مقبلون على تكرار سيناريو عزوف البنوك عن تمويل شركات التكنولوجيا لاسيما في ظل ارتفاع أسعار الفائدة ؟

    في البداية يجب ان نشير إلى أن  بنك سيليكون فالي (SVB)  ، والذي أنشئ منذ نحو أربعين عاما في الولايات المتحدة الأمريكية ، يعد أكبر مقرض للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في العالم  حيث تخصص في إقراض الأعمال التجارية في مراحلها المبكرة، وقام بجمع ما يقرب من نصف شركات التكنولوجيا والرعاية الصحية المدعومة من الشركات الأمريكية التي تم إدراجها في أسواق الأسهم العام الماضي.

    وتوسع البنك بسرعة خلال العقد الماضي  إذ وظف أكثر من 8500 شخص على مستوى العالم، إلا أن معظم عملياته في الولايات المتحدة  وشهدت السنوات الثلاثة الماضية ، خاصة  أثناء فترة وباء كوفيد _19 ، توسع البنك في تقديم التمويل للشركات الناشئة عبر تمويل من المستثمرين وصناديق الاستثمار الجرىء حيث أودعت قسماً كبيراً من أموالها في بنك SVB مما رفع محفظة ودائع البنك من 60 مليار في 2019 إلى ما يقارب 200 مليار دولار في 2022.

    في هذه الفترة ومع تضخم محفظة الودائع قام البنك باستخدام نحو 80 إلى 90 مليار دولار لشراء سندات طويلة الأجل مشكلاً محفظة ضخمة بمتوسط عوائد تراوحت حول 1.7%، ولكون العوائد على الودائع شبه صفرية فقد أعطى هذا البنك فارقاً جيداً للاستفادة منه هذا الوضع تغير تماماً مع قيام الفيدرالي برفع الفوائد بوتيرة سريعة بداية 2022 لتتآكل قيمة السندات طويلة الأجل التي يمتلكها البنك نتيجة تراجع أسعار السندات التي تربطها علاقة عكسية بمعدلات الفائدة، هذا بالإضافة لقيام الشركات الناشئة بسحب بعض من سيولتها بسبب الوضع الاقتصادي الصعب وتراجع زخم الأسهم التقنية.

    ولتلافي أزمة سيولة باع البنك بعض السندات بخسارة وصلت إلى 1.8 مليار دولار وقام بمحاولة يائسة لرفع رأس ماله لينتشر الخبر في السوق وتبدأ حالة ذعر بين المستثمرين والعملاء تلتها عمليات سحب هيستيرية كانت نتيجتها سحب ودائع بقيمة 42 مليار دولار في يوم واحد هو 9 مارس الحالي والذي يشكل ربع قيمة ودائع البنك كاملة وفي عملية سحب تعتبر الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية، فإن أي بنك مهما كان كبيراً لن يتحمل سحب ربع ودائعه في يوم واحد.

    ولكن التدخل السريع من جانب الرئيس الامريكى جون بايدن واعلانه عن خطة لدعم المودعين في كل من بنك  "SVB" المنهار، وبنك "Signature" في نيويورك ، المتخصصة فى تمويل العملات المشفرة ، شكل خطوة حاسمة في وقف الذعر النظامي المخيف الناجم عن انهيار هذه البنوك التي تركز على شركات التكنولوجيا والحيلولة دون سفوطها بعدما صنفت وزارة الخزانة كلاً من "SVB"، و"Signature"، كمخاطر نظامية، مما يمنحها سلطة فك كلتا المؤسستين بطريقة قالت إنها "تحمي جميع المودعين بشكل كامل". وسيتم استخدام صندوق تأمين الودائع التابع لمؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية لتغطية المودعين، وكثير منهم غير مؤمن عليهم بسبب الحد الأقصى البالغ 250 ألف دولار على الودائع المضمونة.

    وإلى جانب هذه الخطوة، قال الاحتياطي الفيدرالي الامريكى إنه يقوم بإنشاء برنامج تمويل جديد للبنك يهدف إلى حماية المؤسسات المتضررة من عدم استقرار السوق بسبب فشل "SVB".كما ستقدم وزارة الخزانة الامريكية ما يصل إلى 25 مليار دولار من صندوق استقرار الصرف كدعم لأي خسائر محتملة من برنامج التمويل. وقال مسئول كبير في الاحتياطي الفيدرالي إن برنامج الخزانة لن يكون هناك حاجة إليه على الأرجح وسيظل موجوداً فقط كإجراء وقائي.

     

     

    ومن ثمة فان السسلطات التنظيمية القائمة على ادارة السوق المصرفية في امريكا نجحت في تحجيم الأزمة بصورة كبيرة وعدم اتساع أزمة بنك " SVB " ولكن يبقى السؤال ما هو موقف البنك بعد محاولات مساندته في التعامل مع شركات التكنولوجيا الناشئة والتي كانت بمثابة العميل الأساسي له .

    في الحقيقة من الصعب أن نعرف الاتجاهات المستقبلية للقيادة الجديدة للبنك تجاه التعامل مع شركات التكنولوجيا الناشئة ولكن من المؤكد أن الأزمة لن تحل فى يوم وليلة وربما بلورة الاستراتيجية الجديدة للبنك تحتاج الى نهاية العام الحالى وهو ما يمكن أن يتسبب في تراجع قيمة أسهم الشركات الناشئة والتقنية الناشئة، حيث يمكن أن يفقد المستثمرون الثقة في هذه الشركات ويترددون في الاستثمار فيها، مما يؤدي إلى تراجع قيمة الأسهم.

    في اعتقادي ان تاثير ازمة بنك " SVB " على شركات التكنولوجيا الناشئه يمكن ان يكون لها العديد من السيناريوهات المحتملة لعل أولها امكانية تقلص تمويل هذه الشركات الناشئة، وبالتالي يمكن أن يتأثر عائد الأسهم وقيمتها بشكل سلبي الامر الذى يتطلب من القائمين على الشركات الناشئة الحفاظ على توازن محفظتهم الاستثمارية من خلال تنويع المحفظة الاستثمارية على عدة أصول مختلفة، بحيث يتم توزيع المخاطر بين مختلف الأصول، وبذلك يمكن تقليل تأثير انهيار البنوك على قيمة المحفظة.

    على حين أن السيناريو الثانى انه ربما يؤدي تقلص التمويل المتاح لشركات التكنولوجيا الناشئة إلى تباطؤ نمو هذه الشركات، مما يؤثر على الاقتصاد بشكل عام، ويؤثر على فرص التوظيف والاستثمار لا سيما وأن غالبية شركات التكنولوجيا بدأت بالفعل في عمليات استغناء عن العمالة في مجاولة منها لمواجهة ارتفاع التكلفة وتراجع الإيرادات .

    أما السيناريو الثالث يمكن أن يؤدي إلى انهيار بنك متخصص في تمويل الشركات الناشئة وشركات التقنية الناشئة إلى تداعيات عديدة على هذه الشركات والاقتصاد بشكل عام، فعادة يمكن أن يؤدي الى تقلص تمويل الشركات الناشئة حيث يعتمد الكثير منها على التمويل من بنوك متخصصة، وإذا حدث انهيار لأحد هذه البنوك، فسيتقلص تمويل هذه الشركات، مما قد يؤدي إلى تعطل عملياتها أو تقلصها.

    ويتمثل  السيناريو الرابع وهو الأسوأ في " الانتظار " حيث ستنتظر صناديق  الاستثمار الجرىء يمكنهم الانتظار ومراقبة حركة السوق والأسهم، وعدم اتخاذ قرارات سريعة ومتسرعة، وبذلك يمكن تحديد الاتجاهات السوقية واتخاذ القرارات الصحيحة بناءً على التحليل الفني والأساسي خاصة  ان افلاس البنك يمكن يؤدي الى تراجع فى قيمة أسهم شركات التكنولوجيا الناشئة ، حيث يمكن أن يفقد المستثمرون الثقة في هذه الشركات ويترددون في الاستثمار فيها، مما يؤدي إلى تراجع قيمة أسهما .

    فى النهاية نتطلع ألا يمتد تأثير أزمة بنك " SVB " على شركات التكنولوجيا الناشئة في مصر ومنطقة الشرق الأوسط وافريقيا ، رغم ان بعضها كان يتعامل بصورة مختلفة مع الصناديق العالمية للاستثمار الجرىء ، وان تستطيع هذه الشركات مواصلة مسيرتها في جذب الاستثمارات والتي تجاوزت نحو 6.5 مليار دولار فى عام 2022 .

    &

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن