مبارك ... بين المدح والقدح

  •  كتب:ايمن صلاح

     

    شهدت مصر خلال الأيام القليلة الماضية رحيل أحد رؤساء مصر السابقين الذين وكالعادة كثُر حولَهم الجدل بين المدح والقدح، انه الرئيس / محمد حسنى مبارك الذى استمر حكمه لمصر فترةً ناهزت الثلاثين عاماً وهى أطولُ فترةِ حكمٍ على الإطلاق لأى رئيس جمهورية لمصر منذ قيام ثورة يوليو 1952، وانا هنا لست بصدد التقييم لفترة حكمه فهذا أمرٌ قد يطول الجدال حوله بين المؤيدين والمعارضين وإن كان من الثابت فى مثل هذه الأحوال إفتقادُنا الى موضوعيةِ التقييم وذهاب كلٍ منا الى التقييم بحكمِ الهوى أو الأيديلوجيةِ التى تحكمُ تفكيرَ كل فردٍ حين التقييم، إلا أننى فى ذات الوقت أستطيع أن أصفَ تلك الحقبة من تاريخ مصر بأنها اتسمت بالرتابةِ والركودِ سواءٌ كان ذلك سياسياً أو اقتصادياً، كما أنه يمكننى أن أجزمَ من خلالِ ما تعيشه مصر اليوم أن مصر فى فترة حكم مبارك قد تخلفت عن الركبِ العالمى الذى قفز قفزاتٍ نوعيةً فى جميعِ المجالات وربما كان ذلك هو أحد أسباب المعاناة التى نعانيها اليوم كأحد الآثار الجانبية للشفاء من مرضٍ عضالٍ استمر ثلاثين عاماً بل أنه تبعه فترةً أشدَ وطأةً ومعاناةً استمرت من يناير 2011 الى أن نعُمَت مصر بالاستقرارِ النسبى وبدايةِ عصرٍ جديدٍ فى يونيو 2014 ندعو جميعاً الله عزَ وجلَ أن يُكلَلَ فى نهايةِ الطريقِ بالنجاحِ والازدهار.

     

    اللحظة التى يجب أن نتوقف عندها جميعا بالدرسِ والتحليلِ بصرف النظر عن تقييم فترة حكم مبارك كما أسلفت هى لحظةُ وفاتِه، فما شاهدناه من تعاطفٍ شعبىٍ كبير ولن أكونَ مبالغاً اذا استخدمت لفظ حبٍ كبيرٍ من جموعِ الشعب فى تلك اللحظة إنما ينم على معانٍ كثيرةٍ ربما غابت أو توارت خلال التسع سنين السابقة لوفاة مبارك نتيجةً للأحداثِ الكثيرةِ والكبيرةِ فى تلك الفترة، ولكن أهم ما يبدو لنا من تلك المشاعر الشعبية هو إيمان جل الشعب المصرى بأن ما حدث من انقلابٍ على مبارك يوم الثامن والعشرين من يناير 2011 كان انقلاباً ظالماً وكان الهدف بدايةً من ذلك التاريخ لم يكن مبارك على الاطلاق بل كان الهدف هو مصر بأسرِها شعباً وجيشاً ولكن خيوطَ المؤامرةِ لم تكن لتتضح الا مع مرورِ الأيام وتلاحقِ الأحداث التى أوضحت خيوط المؤامرة التى كانت تهدف الى إحداث فوضى عارمة ٍ فى مصر تودى بها الى ما أودت به فى أغلب دول المنطقة العربية من خرابٍ ودمارٍ، وعليه فإن النتيجة الجلية لهذا هو أن مبارك لم يكن يوماً خائناً لمصر بل كان ابناً باراً لمصر ولمَ لا وهو ابنٌ من أبناء قواتها المسلحة الباسلة وبطلاً من أبطالها فى حرب أكتوبر المجيدة التى أعادت لمصرَ أرضَها وهيبتَها، كما أن مبارك لم يصدرْ أمراً فى يومٍ من الأيام بقتلِ مصرىٍ واحد بمن فيهم متظاهرى يناير 2011 بل أنه كان حريصاً على دماءِ كل المصريين وآثر الرحيل بملء ارادتِه حقناً لدماءِ المصريين وهو ما أثبتته كل المحاكمات التى وقع تحت طائلَتِها مبارك بعد ذلك.

     

    لقد أثبتَ الشعب المصرى والنظام المصرى وفاءَهما فى لحظة وداع مبارك من خلال الجنازة الشعبية والعسكرية المهيبة فى صورةٍ حضاريةٍ تبرزُ الوجه الجميل لمصر، وأن الرسالة الواضحة والصريحة التى أرسلها الشعب المصرى فى هذه اللحظة هى أن مصر الأبية ستظل أبيةً وأن مصر العصيةَ على كل خائنٍ أو متآمرٍ ستظل عصيةً رغم كل الحروب التى يشنُها الخونة والمتآمرون على مصر.

     

    لقد أبى الله سبحانه وتعالى إلا أن يظهرَ براءةَ مبارك من كل التهمِ المنسوبةِ إليه قبل وفاته ليلقى الله وقد برئت ذمته بإذن الله من كل دنية فرحم الله الرئيس / مبارك الذى له ما له وعليه ما عليه، وأسكنه فسيح جناته وجعل حبه لوطنه رغم الظلم والمعاناة شفيعاً له يوم القيامة، فمبارك الذى قال فى احدى جلسات محاكماته "بلادى وإن جارت علىّ عزيزةٌ ..... وأهلى وإن ضنوا علىّ كرام" لجديرٌ اليوم بعد وفاته بكل التقدير والاحترام.



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن