لتجنب خسائر بمليارات الدولارات : كيف يغير الذكاء الاصطناعي مستقبل التوقعات الجوية

  • كتب : غادة حلمي

     

    تطوّرت التوقعات الجوية بشكل تدريجي، لكنه هائل، خلال العقود الماضية. وبحسب أحد المؤشرات، أصبحت توقعات الطقس لخمسة أيام دقيقة بقدر ما كانت عليه التوقعات لثلاثة أيام في عام 2000.

     

    تعتمد أنظمة بيئية كاملة على دقة التوقعات الجوية، ما يعني أن أي تحسّن على هذا الصعيد، خصوصاً في ظلّ تقلبات الطقس المتزايدة نتيجة التغيّر المناخي، سيساعد في تمكين الأفراد من إدارة المخاطر بشكل أفضل، ويتيح أيضاً لقطاعات كاملة تجنّب خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات.

     

    ففي الولايات المتحدة وحدها، يُقدّر أن نحو ثلث الاقتصاد، أي ما يعادل 3 تريليونات دولار، يتأثر بالطقس والمناخ.

     

    ومن أبرز المجالات الواعدة في هذا الإطار الذكاء الاصطناعي. فمنذ عام 2022، تصاعدت المنافسة بين كبرى شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة والباحثين الأكاديميين والهيئات الوطنية للأرصاد الجوية، مع إجراء كلّ منها تجارب في مجال تعلّم الآلة.

     

    ومع ذلك، رغم الفرص الواعدة بإحداث تحوّل جذري في قطاع الأرصاد الجوية عالمياً، تبقى التحديات قائمة. اليوم، الرموز التي تظهر في تطبيقات الطقس على هاتفك، من شمس مشرقة إلى غيوم متلبّدة، لا تزال نتاج سلسلة من العمليات التي تشمل أجهزة دقيقة، وحواسيب قوية، ومعادلات رياضية معقدة.

     

    الغلاف الجوي نظام معقّد وفوضوي بطبيعته، حيث يمكن لاضطراب طفيف في منطقة ما أن يُحدث تغييرات كبيرة في منطقة أخرى.

     

    وللتنبؤ بحالة الطقس بعد ساعات أو أيام، يعتمد خبراء الأرصاد الجوية على عشرات الملايين من البيانات التي تجمعها أجهزة متعددة.

     

    فبالونات الطقس، مثلاً، تحمل مسابير جوية لاسلكية (راديوسوند) تعمل بالبطارية لقياس الضغط الجوي ودرجة الحرارة والرطوبة النسبية، ثمّ إرسال هذه القراءات. كما يعتمد خبراء الأرصاد الجوية على السفن التجارية التي تطلق هذه المسابير فوق شمال المحيط الأطلسي لتوفير قراءات من شمال المحيط الهادئ الذي يُعدّ من أكثر المناطق افتقاراً للبيانات، في حين تزوّد الطائرات التجارية المختصين ببيانات لحظية عن الغلاف الجوي.

     

    وتقيس الأقمار الاصطناعية الكبرى التي تديرها هيئات حكومية حول العالم، بيانات مثل درجة حرارة سطح البحر والمتساقطات والرطوبة، إلى جانب مراقبة الكوارث الطبيعية والتنبؤ بها، مثل الثوران البركاني والحرائق والفيضانات والعواصف.

     

    تُدمج هذه البيانات مع توقعات جوية سابقة، تعود إلى بضع ساعات أو حتى أيام، باستخدام تقنية تُعرف بـ"استيعاب البيانات"، وذلك لرسم الصورة الأدق للحالة الراهنة للغلاف الجوي. وتُلقَن هذه "اللقطة اللحظية" أو الحالة الابتدائية إلى حاسوب فائق السرعة مبرمج على نموذج للطقس.

     

    يعتمد هذا النموذج على تقسيم كوكب الأرض إلى شبكة ثلاثية الأبعاد، ويستخدم معادلات فيزيائية تصف حركة الهواء. ومن خلال حلّ هذه المعادلات، يُمكن للحاسوب "تسريع" اللقطات، وبالتالي التنبؤ بحال الطقس.

     

    وتُكرّر هذه العملية كل بضع ساعات، ما يتيح تحديث النموذج بشكل مستمر اعتماداً على بيانات جديدة من الغلاف الجوي الفعلي. والنتيجة: نقطة انطلاق كل توقع جديد تكون أقرب ما يمكن إلى الواقع.

     

    يمكن وصف ما يجري بـ"أثر الفراشة"، حيث يمكن لحدث بسيط (كرفرفة جناحي فراشة) أن يُفضي إلى تغييرات كبيرة في الأحوال الجوية. وهذا يعني أن الخطأ مهما كان طفيفاً، أو الإهمال لأحد التفاصيل في نموذج الطقس، قد يحرف التوقعات عن الواقع بشكل كبير. ولتجنب هذه الأخطاء، يعمد خبراء الأرصاد إلى تشغيل مجموعة من النماذج المتنوعة، تنطلق من حالات ابتدائية مختلفة قليلاً.

     

    ومنذ عام 2022، برزت موجة من نماذج الطقس المدعومة بالذكاء الاصطناعي. فبدل الاعتماد على معادلات فيزيائية لوصف الغلاف الجوي، تُدرَّب هذه النماذج على بيانات تاريخية تعيد بناء أنماط الطقس الماضية، لتتمكن من التعرّف على الأنماط، والقيام بالتوقعات باستخدام قدرة حاسوبية أقل بكثير.

     

    ما مدى دقة التوقعات الجوية؟

    منذ أول توقع جوي بمساعدة الحاسوب في عام 1950، تحسنت دقة التوقعات بشكل مطّرد بفضل التقدّم العلمي والتكنولوجي المتواصل. ويشمل ذلك تنامي القدرة على جمع كميات هائلة من البيانات الرصدية ودمجها في نماذج الطقس، إلى جانب زيادة قوة الحوسبة اللازمة لمعالجة هذه المعلومات.

     

    وفي تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية، أسهم التقدم في استخدام تقنية الأقمار الاصطناعية في سدّ فجوات البيانات في نصف الكرة الجنوبي، ما ساعد على تقليص الفجوة في دقة التوقعات بينه وبين النصف الشمالي.

     

    وبفضل هذه التحسينات، أصبح من الممكن، كمعدل تقريبي، إضافة يوم كامل إلى أفق التوقعات كل عشر سنوات.

     

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن