بقلم : د.عادل اللقانى
خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
"في خضم التطورات المتسارعة لعالم البرمجيات، حيث يمتزج المنطق بالإبداع، يبرز مفهوم "VIBE CODING" كتيار جديد يستهوي قلوب المبرمجين ويعد بثورة في طريقة كتابة الأكواد وتصميم الحلول. إنه ليس مجرد إتقان للغة الآلة بل يتجاوز ذلك ليلامس شغف المبرمج وروحه الإبداعية، مضفيًا على الكود لمسة شخصية فريدة. فماذا يعني VIBE CODING تحديدًا؟ ولماذا يزداد الاهتمام به بين المطورين؟ "
فى البداية تخيل أنك تكتب رسالة لصديق. هل تكتبها بطريقة معقدة ومليئة بالرموز غير الواضحة، أم تحاول أن تكون لغتك سهلة وواضحة ومريحة للقراءة ؟ في عالم البرمجة هناك فكرة جديدة تسمى "VIBE CODING"، وهي تشبه محاولة كتابة أكواد الكمبيوتر بطريقة ممتعة وواضحة، وكأنك تضيف لمسة شخصية إلى عملك. فما هي هذه الفكرة؟ ولماذا بدأت تظهر بين المبرمجين؟ وهل ستجعل البرمجة أسهل وأكثر متعة للجميع؟ .. سنحاول فى هذا المقال ان نجيب على هذه الاسئلة كلها .
مامعنى VIBE CODING ؟
VIBE CODING ليس قانونًا صارمًا، بل هو أقرب إلى أسلوب أو طريقة تفكير في البرمجة.. تخيل أنك ترتب أدواتك في ورشة العمل.. هل تضعها بشكل عشوائي ؟ ..أم تحاول ترتيبها بطريقة منطقية لجعل العمل أسهل وأكثر متعة ؟ .. اذا المعنى باختصار هو كل مايلى :
· كتابة كود سهل القراءة كأنه قصة: بدلًا من كتابة رموز غريبة، يحاول المبرمج كتابة أوامر تشبه الكلمات والجمل العادية قدر الإمكان، بحيث يفهمها أي شخص يلقي نظرة عليها.
· تنظيم الكود كصفحة كتاب منظمة: الاهتمام بترتيب الأسطر والفراغات في الكود، ليصبح شكله جميلًا ومريحًا للعين، تمامًا مثل صفحة كتاب منظمة.
· الشعور بالسعادة أثناء البرمجة: عندما يكون الكود واضحًا ومنظمًا، يصبح العمل عليه أقل إرهاقًا وأكثر متعة، تمامًا كأنك تقوم بشيء تحبه.
· مشاركة الأفكار المبتكرة في كتابة الكود: عندما يشارك المبرمجون طرقهم الخاصة في كتابة الكود، يتعلمون من بعضهم البعض ويصبح الكود أكثر إبداعًا، كأنهم يتبادلون وصفات طعام لذيذة.
لماذا يلجأ المبرمجون للـ VIBE CODING ؟
في عالم البرمجة السريع غالبا يشعر المبرمجون بالضغط لإنجاز الكثير من العمل في وقت قليل. لكن VIBE CODING يقدم لهم طريقة لجعل عملهم أكثر إنسانية وممتعة للأسباب التالية:
· يجعل العمل أسرع وأسهل: الكود الواضح والمنظم يشبه وجود أدوات مرتبة في ورشة العمل، مما يجعل العثور على الأشياء وإصلاحها أسرع وأسهل.
· يحسن العمل الجماعي: الكود الجيد يشبه لغة مشتركة واضحة بين فريق من العمال، مما يجعل التعاون أسهل ويقلل من الأخطاء.
· يجذب أفضل المبرمجين: بيئة العمل التي تهتم بالإبداع والجمال في الكود تجذب الأشخاص الموهوبين الذين يحبون عملهم.
· يقوي صداقات المبرمجين: عندما يشارك المبرمجون أساليبهم المميزة، يشعرون بأنهم ينتمون إلى مجتمع يقدر أفكارهم.
هل سيصبح VIBE CODING شائعًا في المستقبل؟
رغم أن VIBE CODING ليس قانونًا رسميًا في البرمجة، إلا أن هناك علامات تدل على أنه سيصبح أكثر أهمية للاسباب الاتية :
· الحديث عنه يزداد على الإنترنت: المبرمجون يتناقشون حول كيفية كتابة كود جميل وسهل الفهم في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي.
· ظهور أدوات جديدة للمساعدة في تجميل الكود: هناك برامج جديدة تساعد في ترتيب الكود وجعله أكثر وضوحًا بشكل تلقائي.
· بعض الشركات بدأت تشجع عليه: بدأت بعض الشركات في الاهتمام بكيفية كتابة المبرمجين للأكواد وتوفير بيئة عمل مريحة ومشجعة.
· الجيل الجديد من المبرمجين يحبه: الشباب الذين يتعلمون البرمجة يميلون إلى البحث عن طرق تجعل عملهم ممتعًا ومريحًا.
ومن المتوقع أن يصبح VIBE CODING أكثر انتشارًا في المستقبل، ليس كقاعدة، بل كطريقة عمل تجعل البرمجة أسهل وأكثر متعة للجميع.
لكن لماذا يكتسب VIBE CODING هذا الاهتمام الكبير من المبرمجين حاليا ؟
يكتسب مفهوم "Vibe Coding" اهتمامًا متزايدًا بين المبرمجين لعدة أسباب رئيسية تتعلق بتبسيط عملية البرمجة، وتسريع تطوير البرمجيات، وتمكين المبدعين من غير المبرمجين من بناء تطبيقاتهم الخاصة.. ونلخص هذه الاسباب فيما يلى :
· البرمجة باستخدام اللغة الطبيعية : يتيح "Vibe Coding" للمستخدمين وصف ما يريدون بناءه باستخدام اللغة الطبيعية، مثل: "أنشئ نموذج تسجيل دخول بتصميم داكن". تقوم أدوات الذكاء الاصطناعي مثل Cursor أو Replit بتحويل هذه الأوامر إلى كود برمجي فعّال، مما يلغي الحاجة لإتقان قواعد اللغة البرمجية .
· التعاون مع الذكاء الاصطناعي : تتحول أدوات الذكاء الاصطناعي إلى شركاء مبدعين، حيث يمكنها كتابة الكود، تصحيح الأخطاء، وتحسين التصميمات بناءً على الأوامر الصوتية أو النصية. هذا التعاون يسرّع عملية التطوير ويقلل من الأخطاء البشرية .
· تسريع وتبسيط عملية التطوير : يمكن للمطورين بناء تطبيقات ومواقع وألعاب في ساعات بدلاً من أسابيع، مما يتيح لهم التركيز على التجربة والابتكار بدلاً من كتابة الكود يدويًا .
· تمكين المبدعين غير المبرمجين : أصبح بإمكان الأشخاص الذين لا يمتلكون خلفية برمجية بناء تطبيقاتهم الخاصة، مما يفتح المجال لمجموعة واسعة من المبدعين والمبتكرين لتطوير أفكارهم دون الحاجة لتعلم البرمجة التقليدية .
· تحول دور المطورين : أصبح دور المطورين يركز أكثر على توجيه الذكاء الاصطناعي، اختبار الكود، وتحسينه، بدلاً من كتابة كل سطر يدويًا. هذا التحول يعزز الإنتاجية ويتيح للمطورين التركيز على حل المشكلات المعقدة .
· ظهور أدوار جديدة في مجال البرمجة :أدت هذه التحولات إلى ظهور أدوار جديدة مثل "Vibe Coders" الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لتسريع عملية التطوير، و"AI Architects" الذين يوجهون الذكاء الاصطناعي لإنشاء كود أكثر تنظيمًا وقابلية للصيانة .
الافاق المستقبلية للـ VIBE CODING
آفاق Vibe Coding المستقبلية واعدة جدًا، وتشير إلى تحول جذري في طريقة تطوير البرمجيات على مستوى العالم، سواء للمبرمجين المحترفين أو للمبتدئين والهواة.. إليك نظرة تفصيلية على ما يمكن أن يحمله المستقبل لهذا النمط الجديد من البرمجة:
إعادة تعريف وظيفة المبرمج مستقبلًا: لن يُقاس المبرمج بعدد الأسطر البرمجية التي يكتبها، بل بقدرته على توجيه أدوات الذكاء الاصطناعي لصياغة حلول ذكية وسيكون المبرمج أقرب إلى مخرج فني أو معماري برمجي يصوغ الأفكار ويشرف على تنفيذها بمساعدة الذكاء الاصطناعي.
تسريع الابتكار وتطوير المنتجات : Vibe Coding يمكن أن يخفض زمن إطلاق التطبيقات من أشهر إلى أيام كما انه سيعزز نمو الشركات الناشئة، حيث يمكن لمطور واحد بناء منتج MVP بسرعة فائقة ،هذا فضلا عن انه سيساهم في نضج أفكار أكثر وتجريبها بكلفة منخفضة مما يدعم ريادة الأعمال التقنية.
دمقرطة البرمجة (Democratization of Coding) : سيصبح من الممكن لأي شخص لديه فكرة – حتى بدون خبرة تقنية – أن يبني تطبيقًا أو موقعًا وظيفيًا.
وقد تدمج لاحقا المدارس والمؤسسات التعليمية "البرمجة بالمشاعر والتوجيه" ضمن مناهجها، حيث يُدرّب الطلاب على التفكير التصميمي بدلًا من حفظ الصياغات البرمجية.
دمج أعمق مع واجهات الذكاء الاصطناعي : سيتكامل Vibe Coding مع أدوات الذكاء الاصطناعي الصوتية (مثل المساعدات الصوتية) لتصبح البرمجة ممكنة بالأوامر الصوتية فقط. ويمكن تصور بيئات تطوير (IDE) تدعم الأوامر اللغوية، وتحوّلها مباشرة إلى واجهات وتطبيقات ديناميكية.
تحسين تجربة المستخدم النهائي : بما أن بناء التطبيقات أصبح أسرع وأكثر مرونة، فإن المستخدم النهائي سيحصل على تجارب أكثر تخصيصًا وتكرارًا أسرع للتحسين.
وقد تطور شركات البرمجيات منتجات "حسب الطلب" للعميل مباشرة من خلال أدوات Vibe Coding
طلب متزايد على مهارات جديدة : المهارات المطلوبة ستتحول من البرمجة الصرفة إلى التوجيه الفعال للذكاء الاصطناعي .. تصميم تجربة المستخدم ..التفكير التصميمي (Design Thinking) .. المنطق والتحليل بدلًا من التكويد اليدوي
تحديات وسلبيات محتملة
بالرغم من أن Vibe Coding يُعد ثورة تقنية تحمل وعودًا مذهلة، إلا أنه – كأي تقنية جديدة – ليس خاليًا من السلبيات والتحديات، خصوصًا على المدى المتوسط والطويل. دعنا نستعرض هذه الجوانب بالتفصيل:
أولًا: التحديات التقنية :
· الكود الناتج غالبًا ما يكون فعال لكنه غير محسّن، أو غير قابل للتوسعة بسهولة، وقد يحتوي الكود على مشاكل خفية في الأداء أو الأمان لا تظهر في البداية.
· كما ان المطورين المبتدئين قد يثقون ثقة عمياء بما يولّده الذكاء الاصطناعي دون فهم حقيقي لما يجري.
· كثير من الكود الناتج لا يُكتب بأسلوب نظيف (clean code )
· الصيانة أو التعديلات لاحقًا قد تكون صعبة، خاصة إذا تم توليد كتل كبيرة من الكود دفعة واحدة بدون تنظيم منطقي.
ثانيًا: التحديات البشرية والتعليمية
· الاعتماد الزائد على Vibe Coding قد يؤدي إلى تآكل المهارات الأساسية لدى المبرمجين الجدد.
· سيكون من الصعب على البعض فهم ما يجري "تحت الغطاء"، مما يضعف من قدرتهم على إصلاح المشاكل العميقة.
· مناهج التعليم البرمجي قد تحتاج إلى إعادة تصميم كاملة لتواكب هذا التغير.
· كيف يمكن تعليم الطلاب "البرمجة" إن كانوا فقط يكتبون أوامر مثل: "ابنِ لي لوحة تحكم تفاعلية بقاعدة بيانات"؟
ثالثًا: تحديات الخصوصية والأمان
· أدوات Vibe Coding قد تعتمد على واجهات AI سحابية، مما يزيد من مخاطر تسرب البيانات الحساسة.
· الأكواد التي تتضمن أسرار API أو بيانات العملاء قد تُرسل عن غير قصد إلى خوادم خارجية.
· الأكواد المولدة آليًا قد لا تراعي معايير الأمان الصارمة إلا إذا تم التدقيق عليها يدويًا.
· بعض الثغرات تكون في الطبقات المنطقية (logic errors) التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي اكتشافها بسهولة.
رابعًا: التحديات الاقتصادية والاجتماعية
· المبرمجون الذين يعتمد عملهم على المهام الروتينية مثل كتابة واجهات CRUD بسيطة) قد يُستَبدلون تدريجيًا) وقد تسرح شركات البرمجيات اعداد من الموظفين لديها وتكتفي بعدد أقل من المطورين مع أدوات AI
· الدول أو الأفراد غير القادرين على الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة قد يتخلفون رقميًا. وهناك امر اخير ان اعتماد تقنيات Vibe Coding يتطلب موارد حوسبة واتصال إنترنت جيد مما لا يتاح للجميع.
"فى الختام نستطيع ان نقول ان الـ VIBE CODING يظهر كفكرة جديدة فى عالم البرمجة فيها تتُغير الطريقة التي نكتب بها البرامج كليا حيث لم يعد الأمر يقتصر على كتابة أكواد معقّدة، بل أصبح من الممكن أن نصف ما نريده بلغة بسيطة، ويقوم الذكاء الاصطناعي بترجمته إلى برنامج جاهز للعمل.وهذه الطريقة الجديدة ربما تحمل كثيرًا من الفوائد: فهي تُسرّع العمل، وتفتح الباب للجميع لتجربة البرمجة، حتى لمن لا يملكون خلفية تقنية. لكنها في الوقت نفسه تثير تساؤلات مهمة: هل سنفقد فهمنا العميق للبرمجة؟ هل يمكن الاعتماد على الكود الذي يُنتج بهذه الطريقة؟ وماذا عن خصوصية البيانات وأمانها؟.. اذا Vibe Coding ليس مجرد أداة سهلة، بل بداية لأسلوب جديد في التفكير والعمل. وان النجاح في استخدامه لن يكون فقط في سرعة التنفيذ بل في مدى وعينا بكيفية استخدامه بشكل ذكي وآمن. وربما يكون هذا التطور هو الخطوة الأولى نحو برمجة تُشبهنا أكثر، تُعبّر عن أفكارنا ومشاعرنا، لا مجرد أوامر تُكتب بالحروف."