الوجه الآخر للحرب على غزة

  • بقلم: ايمن صلاح

    لا يختلف انسان يعيش على وجه الأرض ولا يزال يحمل بين طيات صدره أدنى درجات الانسانية أن ما يحدث فى قطاع غزة هو جريمة من أبشع جرائم الانسانية على مر التاريخ ونوع من أنواع الابادة الجماعية القائمة على أساس عرقى بغيض، ولكن يجب علينا أن نفهم ما هى الأسباب التى أدت بالعدو الصهيونى الى القيام بهذه العملية العسكرية الكبيرة والشاملة مستهدفا قطاع غزه بأكمله، مدنييه ومجاهديه، رجاله ونسائه، أطفاله وشيوخه، بنيته التحتية ومبانيه. هل أسباب هذه العملية العسكرية الشاملة هو فقط الانتقام من حماس بعد العملية العسكرية التى قامت بها يوم السابع من أكتوبر الماضى والتى أدت الى قتل وأسر أعداد كبيرة من الاسرائيليين؟! ربما .... ولكن كم من عمليات عسكرية قامت بها حماس فى الماضى القريب سواء عن طريق قصف المستوطنات أو عمليات فدائية نوعيه سببت الكثير من الخسائر فى الجانب الاسرائيلي، ولكن رد الفعل الاسرائيلي لم يكن بهذا العنف المبالغ فيه والشمول العسكرى الغاشم، اذن .... لابد وأن هناك أسبابا أكبر وأعمق لدى العدو الصهيونى من فكرة الانتقام أو حتى من فكرة تبييض الوجه السياسى للحكومة الاسرائيلية التى فشلت فى تحقيق الأمن وسقطت فى عهدها اسطورة القبة الحديدية النى طالما ادعت انها الستار العسكرى لحماية أمن اسرائيل الداخلى من أى هجمات فلسطينية. ولكن لكى نستوعب وندرك أسباب وأهداف اسرائيل فى هذه الحرب الشاملة على غزة علينا أولا أن نفهم التركيبة الديموجرافية فى الاستراتيجية الاسرائيلية.

    اسرائيل دولة قامت فى الأصل على أساس عنصرى يستهدف جلب يهود العالم الى أرض فلسطين (أرض الميعاد كما تدعى معتقداتهم) وظلت هذه الاستراتيجية قائمة منذ قيام دولة اسرائيل الى وقتنا هذا واعتمدت اسرائيل فى استراتيجيتها التوسعية على (الكيبوتس) وهى المستوطنات المتناثرة على أطراف اسرائيل  ومنها تلك المستوطنات على حدود غزة والتى يطلقون عليها (غلاف غزة) مستهدفة المد الأفقى فى القطاع كلما حانت الفرصة لأهداف ليست خافية على أحد أولها القضاء على القضية الفلسطينية واحباط كل المحاولات لاقرار دولة فلسطينية مستقلة وأيضا تحقيق فيما بعد الحلم الاسرائيلي الذى لم يغب عن العقلية الصهيونية قط وهو دولة اسرائيل من النيل الى الفرات، ولكى تحقق اسرائيل حلمها التوسعى عن طريق الاستيطان منحت حوافز ليهود العالم للعودة الى اسرائيل بأن منحت لكل يهودى عملا ومنزلا بمجرد أن تطأ قدماه أرض اسرائيل ناهيك عن منحه السلاح على اعتبار حق المواطن الاستيطانى الطبيعى فى الدفاع عن نفسه، ورغم ذلك فان هذه السياسة التوسعية الاستيطانية الاسرائيلية لم تجلب الى اسرائيل على مدار سبعين عاما سوى 40% فقط من يهود العالم يمكن تقييمهم بأنهم هم اليهود الفاشلون من أوروبا وأمريكا والذين ضاقت بهم السبل فى أوطانهم الأصلية فلم يجدوا ملاذا الا اسرائيل بكل تلك الحوافز المقدمة والعيش فى رغد ربما فى واحدة من أجمل البقع الطبيعية الساحرة على وجه الأرض، ومن هنا نعود الى ما حدث يوم السابع من أكتوبر حيث استطاع الف مسلح فقط من حماس وفى خلال ثلاث ساعات فقط اختراق الحاجز الحديدى وتدمير فرقة غزة العسكرية بكل ما تتمتع به من تسليح وتكنولوجيا بل والوصول الى مستوطنى (الكيبوتس) وأسر عدد منهم والعودة بهم الى القطاع كرهائن مما دعا جل المستوطنين الى الاكتظاظ فى مطار تل أبيب للهروب من اسرائيل والجحيم الذى واجهوه فى ثلاث ساعات فقط، وربما لم يبرز الاعلام الغربى عبر تغطيته لأحداث غزة هذه التداعيات الخطيرة وذلك لانحيازه الكامل لاسرائيل.

    الخلاصة هنا هو أن الاستراتيجية الصهيونية فى هذا الصدد والتى اعتمدت اسرائيل بناءها خلال سبعين سنة قد انهارت حرفيا فى ثلاث ساعات وكان ذلك هو السبب الأعم والأهم لهذا الهجوم العسكرى الجنونى على قطاع غزة بغرض التشويش على انهيار الاستراتيجية الاسرائيلية وبهدف اعادة طمأنة يهود العالم بأن اسرائيل وجيشها قادرة على اعادة الأمن الى المواطن والمستوطن اليهودى، وهو أمر أوقن أنهم سيفشلون فيه أيضا لأسباب موضوعية كثيرة ربما نستعرضها فى مقال قادم.

    اللهم انصر اخواننا فى غزه وثبتهم وزلزل الأرض من تحت أقدام أعدائهم وأرنا فيهم آية من آياتك يارب العالمين.

     

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن