البحث عن المخاوف

  •       بقلم : د.ياسر بهاء

    نسمع دائماً عن تجنب المخاوف أو مواجهتها ولكن من هذا الذي يبحث عن المخاوف؟ أولاً يجب أن نعترف أن الخوف هو توقع لحدث سيء في المستقبل فلا يمكن أن نخاف مما حدث في الماضي أو ما يحدث في الحاضر وبالتالي إن استطعنا أن نتحكم في تلك الفكرة فسنتحكم في مخاوفنا وإذا تحكمنا في أفكارنا فلك أن تتخيل ما الذي سيترتب على ذلك من شعور بالأمان والطمأنينة.

    أولاً عندما ينصح الأطباء النفسيين والمتخصصين في علم النفس الإيجابي بمواجهة الخوف دائماً ما يتحدثون عن الغوص في أعماق النفس أولاً لمعرفة المصدر أو السبب الحقيقي للخوف فمن الممكن أن يكون سبب الخوف من المرتفعات لدى البعض أنه رأى مشهد في فيلم أو حدث أن توفى أحد معارفه أو أُصيب بسبب المرتفعات أو قد يكون تعرض هو نفسه لخبرة حياتية في الماضي أثرت على تلك المشاعر ومحاولة تجنب المرتفعات فيما بعد وبالتالي معرفة السبب الحقيقي هو من أهم خطوات مواجهة الخوف ولكن ليست الخطوة الوحيدة والأهم.

    ثانياً بعد معرفة سبب ومصدر مشاعر الخوف يكون الانتقال لمواجهة تلك المخاوف هو الأصح حتى لا تطول فترة مشاعر الخوف بعد تحديدها بدقة ويكون لها تأثير عكسي وازدياد تلك المشاعر وبالتالي فإن ذلك يتطلب تطوير بعض المهارات الخاصة بالتعامل الصادق مع الذات وتقوية مشاعر المواجهة وتحمل بعض الألم إن وُجدت وبنظام وخطوات وأسئلة بترتيب واضح يكون المختص على دراية بها وفقاً لحالة كل شخص ولكن هل منا من لا يرغب في تخطي مخاوفه؟ للأسف فإن البعض يفضل الحياة متجنباً مصادر مخاوفه كنوع من الأمان أكثر من تحمل القليل من الوقت في عدم الراحة بمواجهة تلك المخاوف ومن ثم العيش بدون تلك المشاعر للأبد وهؤلاء هم من لا ينظرون أبعد من مسافة ما تحت أقدامهم.

    إذا كنت من هؤلاء الأشخاص فما عليك سوى تصور حياتك بعد تخطي تلك المخاوف وكم ستكون حياتك أكثر إيجابية ومتعة وذلك مقابل ثمن بسيط ومؤقت من دقائق راحتك الحالية وللعلم فإن الكثير من الناس أثبتوا أن تلك الأمور ليست بالمستحيلة وكانت تعليقاتهم أنهم بقدر سعادتهم بتخطي مرحلة المخاوف من بعض المواقف بقدر الندم على عدم مواجهتها في مراحل عمرية سابقة وبالتالي الاستمتاع بالحياة بدون تلك المشاعر لفترة سابقة أطول، فما عليك سوى البدء والبحث عن الطريقة المثلى لمواجهة مخاوفك.

    ولك أن تتخيل أن من بدء تلك المرحلة وبعد الشعور بالراحة يبدأ مباشرة في البحث عن مخاوفه الأخرى لمواجهتها بعد أن وجد تلك اللذة وبالتالي تتسع رقعة ودائرة الحياة الخالية من المخاوف المعوقة لمسيرة الحياة الناجحة فمنا الكثير من يخاف من الفشل أو عدم تقبل الناس لأرائه أو الخسارة المادية أو الرجوع للوراء أو خسارة بعض الأشخاص أو غيرها من المخاوف التي كثيراً ما تكون قابعة فقط في مخيلة الشخص نفسه وليس لها أي أساس في الواقع فكثيراً ما نتوقع السيء ويحدث الرائع.

    ولكن ليس فقط البحث عن المخاوف ينتقل بنا إلى دائرة راحة أكبر ولكن البعض يبحث عن تلك المخاوف للاستمتاع بها فالكثير منا يذهب إلى مدن الألعاب والحدائق المائية التي تتمتع بالألعاب الخطرة والمرتفعات والمنزلقات وجميعها تبعث على الخوف للحظات وبالرغم من ذلك تجد الجميع يتهافت للحصول على دقائق معدودة من الخوف والمتعة المصاحبة له، هؤلاء من تصالحوا مع أنفسهم لدرجة البحث عن المخاوف والاستمتاع بها.

    وأيضاً – بعيداً عن الألعاب – قد تجد الكثير لا يكترث بعدد مرات الفشل التي يمر بها في طريقه إلى هدف معين ويعتبر تلك الإخفاقات هي محطات للتعلم وبناء خبرات أكثر ويصل البعض أيضاً للبحث عن مواطن الخوف والتي لا يفضل الآخرون التعرض لها ويعمل على ثبر أغوارها لعدة أسباب إما للتميز بين الآخرين أو الازدياد من تحقيق الذات وتحسين الصورة الذاتية أو إضافة خبرات ومهارات ما كانت لتُكتسب إلا بالدخول في تلك المناطق التي تحتاج إلى تطوير تلك المهارات والخبرات وبالتالي فإن البحث عن المخاوف ليس بالشيء المكروه ولكن من يسعى لذلك لديه من الحنكة والخبرة أنه مثلما سيستمتع بالنتائج الإيجابية فعليه توقع الإخفاقات المصاحبة أو الإحباطات الخارجية أو المعارك الذاتية والنفسية ومن هنا يمكننا القول بأن هؤلاء فعلاً هم الصفوة فهم لم يكتفوا بمواجهة مخاوفهم بل أصبح من أحد أهدافهم هو "البحث عن المخاوف"

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن