 الكمال عدو الإكمال (2)

  •      بقلم : د . ياسر بهاء

     

    تحدثنا في المقال السابق عن أن السعي للكمال وأن الرغبة في إتقان بعض المهام يدفع الكثير إلى التوقف وعدم إنهاء ما يجب إنهاؤه مع العلم أن إنهاء نفس المهمة في وقت أطول أو إنهاءها بدون أتقان يصل إلى 100% هو أفضل بكثير مقارنة بالتوقف التام عن إتمامها. ومن هنا جاء هذا المقال ليقدم خمسة حلول تساعد على تجنب مشاكل الرغبة في الكمال وهي:

    تصغير الهدف أو مضاعفة الوقت: يعتبر هذا الحل هو المقترح الأنسب الذي يواجه الكثير عندما نشعر بأن الوقت المتبقي لإنجاز ما تم التخطيط له غير كاف وبالتالي يكون خيار الانسحاب هو أول الخيارات المطروحة ولكن يمكن الاكتفاء بالوصول لجزء من الهدف بدلاً من التوقف التام فمثلاً قد نسعى لإنهاء قراءة كتاب في أسبوع ولكن عند اليوم الخامس لم نصل حتى لنصف الكتاب وهنا الأفضل أن أكتفي بما حققت ويكون الهدف في اليوم السابع هو إنهاء 60% من الكتاب وليس الكتاب كاملاً أو مضاعفة الوقت عن طريق تعديل الخطة لإنهاء الكتاب في أسبوعين بدلاً من أسبوع وهنا ستكون الحماسة والطاقة أفضل وبالتالي النتيجة هي الاستمرار في القراءة بعد تعديل الخطة وليس ترك قراءة الكتاب كُلياً.

    لا أحد يُحسن كل شيء: يجب أن نتقبل فكرة أن من يحقق نجاحاً في مجال ما ليس بالضروري – بل من المستحيل – أن يكون ناجحاً بنفس المستوى في كل مجالات الحياة وبالتالي علينا تقبل مستوى أقل من الإنجازات في بعض النواحي غير المهمة والتركيز بشكل أكبر على التميز في نطاق محدد للوصول للنجاح فيه فمحاولة إتقان كل شيء قدي تؤدي لخسارة كل شيء.

    استمتع بالسعي قبل النتائج: من أكثر أسباب الانسحاب هو الشعور بالملل والتعب حيث إن الفكرة السائدة بأن السعادة تحدث فقط عن تحقيق النتائج لكن تلك الفكرة لا تساعد أبداً على استمرارية الأداء حتى مع وجود الشعور بالرغبة في الانسحاب وبالتالي فإن الشعور بالإنجازات البسيطة في رحلة تحقيق هدف أكبر هي متطلب أساسي للاستمرار وبالتالي يصحب تلك الإنجازات الصغيرة والمتتالية بعض المكافآت البسيطة للتحفيز وتعزيز شعور القرب من الوصول للهدف الأسمى.

    قياس التقدم بشكل منطقي وليس عاطفي: حيث إن الكثير من الناس يتوقف عن الاستمرار في السعي فقط للشعور بعدم إحراز التقدم المطلوب وبالتالي يجب هنا تحديد مقاييس للتقدم بدلاً من الاعتماد على الأحاسيس والذاكرة فقد تكون مرحلة بناء مهارة ضرورية لمشروع مهم هي الفترة الأطول من المشروع نفسه وبالتالي عدم البدء في المشروع لا يعني أن الوقت والمجهود المبذول في بناء تلك المهارة ليس جزءا من تحقيق الهدف وهنا تظهر أهمية وجود خطة واضحة تشتمل على كل الإنجازات المعنوية والمادية وليس فقط الاعتماد على الشعور بمدى التقدم من عدمه.

    مثالية الخطوة الأخيرة: يقع الكثير ممن يسعون إلى الكمال في الرغبة في التحسين اللا نهائي قبل اكتمال مشروع ما كتأليف كتاب أو كتابة تقرير وذلك للشعور بأنه ما زال هناك مجال للتحسين للوصول إلى شكل أفضل والذي حتماً سيحدث لأن مجالات التحسين لا نهائية ولكن إلى متى الانتظار والتحسي؟ وقد يكون سبب التأجيل هو الخوف من تعليقات ومن ردة فعل الآخرين وبالتالي عدم الرضا عن النتيجة الحالية والذي قد يؤدي إلى التوقف خشية المواجهة أو انتقاد العمل.

    ومن هنا فإنه دائماً من الأفضل ـ خاصة في الخطوات الأخيرة ـ وضع ميعاد انتهاء محدد لتسليم ما تقم به أياً كانت الظروف لأن معظم المخاوف التي تدور في رأسك ما هي إلا أوهام خاصة بك وحدك وبالتالي فإن السعي للكمال يعتبر من أحد أهم أسباب انخفاض الإنتاجية والتنقل من مشروع لآخر ومهمة لأخرى دون تحقيق إنجاز يُذكر ومن هنا كان الكمال عدو الإكمال.

    دُمتم في رعاية الله وأمنه.

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن