إشارات مرور

  •     بقلم : د . ياسر بهاء

    هل تتخيل تقاطعات بدون إشارات مرور؟ هل تتخيل شوارع خالية من علامات التحذير المرورية؟ طبعاً من الصعب بل من المستحيل أن تختفي تلك الأدوات التي تساعد على تنظيم المرور وتجنب الحوادث وتأمين الطرق والسيارات والركاب والمشاة ولكن هل كانت هناك تلك الإشارات والعلامات منذ بدء الخليقة؟ بالطبع لا ولكنها ظهرت مع ظهور السيارات وذلك لتحقيق الفوائد السابق ذكرها.

    مما سبق أود التركيز على نقطتين أساسيتين وهما:

    التطوير المستمر للوصول إلى حياة أفضل؛ فكلما زادت تطلعاتنا وتوقعاتنا وأحلامنا زادت معها إنجازاتنا ومستوى معيشتنا وبالتالي ظهرت مستجدات تجعل الحياة أكثر سهولة مثل ما تم ذكره في مقدمة المقال من ظهور علامات وإشارات المرور بعد ظهور السيارات وبالتالي فإن التطوير لابد أن يصاحبه ما يساعد على حسن استخدامه واستدامة الاستفادة منه والتقليل من أضراره إن وُجِدَت. وهكذا الحياة، فكلما تقدم بنا العمر كلما تعرضنا لمواقف أكثر صعوبة وتحديات غير مسبوقة وأُناس بتطلعات وخلفيات وثقافات مختلفة وبالتالي علينا أن نضع بعض الإشارات والعلامات التي تساعدنا على التعامل مع تلك المعطيات الجديدة إما لتخطي تلك التحديات أو لاقتناص الفرص التي قد تكون إما غير واضحة أو مستترة داخل بعض التحديات.

    الإدراك الكامل لمعنى تلك العلامات والتأكد من استخدامها في الأوقات والأماكن والمواقف الملائمة فلا يمكن أن نتخيل أحد السيارات تتجه يساراً مع وجود إشارة للاتجاه يميناً أو أن تتوقف أحد السيارات عندما تكون إشارة المرور خضراء أو أن يكون تفسير أحد علامات المرور غير مفهوم للسائقين وبالتالي فإن معرفة ما تعنيه تلك الإشارات هو مُكمِّل رئيسي لتحقيق الاستفادة المرجوة ومن هذا نستنتج بما لا يدع مجال للشك أن لكل منا علامات في رحلة الحياة لابد من الانتباه إليها وإدراكها والأهم تطبيقها.

    ولكن السؤال الأهم الآن، ما هي تلك الإشارات والعلامات التي يجب علينا وضعها في أماكنها الصحيحة في طريق كل منا نحو تحقيق ما نصبوا إليه؟

    إنها "القيم الشخصية" ولكن قبل البدء في توضيح أهمية العلاقة بين القيم الشخصية وما تم ذكره سالفاً دعونا نتعرف أولاً على مفهوم القيم الشخصية. إنها الأشياء التي تهمنا، والخصائص والسلوكيات التي تحفزنا وتوجه قراراتنا. فعلى سبيل المثال، ربما تعتبر قيمة الصدق من القيم الأساسية لديك وبالتالي فأنت تؤمن بصدقك قدر الإمكان وتعتقد أنه من المهم أن تقول ما تعتقده حقًا وعندما تجد من لا يتحدث بصدق، فمن المحتمل أن تشعر بخيبة أمل فيه. أو ربما تقدر التعاون، فأنت تقفز على فرصة مساعدة الأشخاص الآخرين وستكون كريماً في إعطاء وقتك ومواردك لقضايا جديرة بالاهتمام أو للأصدقاء والعائلة وتشعر بالامتنان وتحقيق الذات عندما تحيا بتلك القيم.

    وبالإضافة إلى ذلك، فإن الشعور الإيجابي بتطبيق تلك القيم في حياتك اليومية ليس هو الاستفادة الوحيدة ولكن أيضاً ظهورها في الوقت المناسب لتمنعك من أفعالك وأقوالك أو تأييد أفعال وأقوال الآخرين والتي لا تتماشى مع قيمك الشخصية ومن ثم تمنعك تلك القيم من الوقوع فيما يؤذيك نفسياً ومالياً واجتماعياً وعلى كافة الأصعدة فأنت تشعر بالسعادة حينما تعيش وفقاً لتلك القيم وعلى النقيض تشعر بالبؤس عندما لا تفعل ذلك اختياراً أو إجباراً.

    وتبعاً لما سبق فإن تحديد القيم شيء أساسي لبناء الأفكار والأفعال والعادات والشخصية وبالتالي المصير مما يتطلب تحديد أولويات تلك القيم فمن الناحية المثالية ستجد أن كل القيم الشخصية هي مهمة بالنسبة لك كالصدق والمرح والروحانيات والصحة والمتعة والمال والعدل والأمان والحب والصدق وغيرها ولكن ما هي القيم التي تحتل المراكز الأولى لديك ومن هنا سيأتي الموقف الذي ستتغلب فيه إحدى القيم على الأخرى وفقاً لذلك الترتيب فمثلاً قد تتغلب قيمة الصحة على قيمة المال بالنسبة للبعض إذا ما تعارضت القيمتين في موقف ما وقد يحدث العكس عند شخص آخر ومن الغرابة أيضاً أنك قد تتعرض لتغيير أولويات قيمك وفقاً للموقف فقد يكون العمل الذي يجني مالاً لك أهم في وقت ما من ممارسة الرياضة التي اعتدت عليها فتفضل حضور اجتماع هام خاص بعملك حتى وإن تعارض مع توقيت ممارستك لرياضة الجري اليومية التي هي جزء أساسي من قيمة الصحة لديك ولكن في النهاية سيكون هناك قاعدة في ترتيب أولويات القيم وأيضاً استثناءات لذلك الترتيب والتي بالطبع ستختلف باختلاف الأشخاص.

    وعلى جانب آخر فإن التحدي الأكبر الذي قد تواجهه أنت ليس فقط التعارض بين القيم الخاصة بك ولكن تعارض القيم مع من حولك من أسرة وأصدقاء وزملاء في العمل وهنا يجدر الإشارة بأنه لابد من تحقيق شيء من التوازن فلا يتم رفض قيم الآخرين التي تتعارض مع قيمك الشخصية ولا يتم فرض قيمك عليهم بما يخلق نوع من التضارب والتنافر بما يؤدي إلى إفساد العلاقات الاجتماعية ولكن الوعي بأن تَقَبُّل الآخرين باختلافاتهم هو أحد التحديات التي يجب أن تتوقعها في كل جوانب الحياة وليس فقط في جانب القيم الشخصية.

    وأخيراً يجب أن نشير إلى أنه مع تقدم العمر قد يتغير ترتيب أولويات القيم لظهور مسؤوليات واهتمامات أخرى فمن كانت أهم قيم في حياته هي المغامرة والاستمتاع قبل الزواج قد تتغير إلى الاستقرار والأمان بعد وجود عائلة يهتم بها ولها عليه حقوق وواجبات ومن هنا فإن التغيير متوقع ولكن قد ينجرف البعض في قيم تتناقض تماماً مع قيمه الأصيلة وهنا سيظهر الخلل مقارنة بما كان عليه سابقاً فليس من الطبيعي أن تدفع ظروف الحياة بعض الأشخاص إلى الاهتمام بقيمة الثراء على حساب الصدق والأمانة مهما كانت الظروف وهنا نستطيع التأكيد بأن إشارات المرور فقدت فعاليتها وأصبحت مجرد علامات من الماضي ومن ثم فإن علينا التأكد المستمر بأن تلك الإشارات لها من الاهتمام ما يساعدنا في السير في طريق الحياة بأمان وطمأنينة وتقدير إيجابي للذات.

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن