كلمات منجيات ... أو مهلكات

  • بقلم : ايمن صلاح

    يعيش المجتمع المصرى فى هذا العصر عصرا ليس هو الأزهى على المستوى الأخلاقى وربما يكون لذلك أسبابه ومبرراته بعد أن عاشت مصر عدة سنوات فى حالة من التسيب والتردى فى جميع المجالات دون استثناء عقب أحداث يناير 2011 ألقت دون شك بظلالها بشكل سلبى على المجتمع المصرى بصفة عامة وعلى الشباب المصرى بصفة خاصة وتركت بصماتها على سلوك وأخلاقيات المواطن المصرى، ودون الدخول فى تفاصيل وأبعاد وتحليل هذه السلبيات التى ربما تحتاج الى العديد من الدراسات والمتابعة الدقيقة لاستخراج الحقائق واستخلاص الدروس ومن ثم ايجاد طرق العلاج لازالة الصدأ الذى اعترى الشخصية المصرية والعودة بها الى معدنها الأصيل الذى يحوى العديد من الصفات الأخلاقية المتميزة اتسمت بها تلك الشخصية عبر آلاف السنين من الحضارة ربما كانت هى السبب الرئيس فى بناء تلك الحضارة المصرية التى ظلت راسخة وفريدة حتى وقتنا هذا.

    ولعل من أهم مظاهر الانحدار الأخلاقى التى تطالعنا ليل نهار سواء عبر الاعلام المسوع والمرئى أو عبر وسائل التواصل الاجتماعى هى "الكلمات"، كلمات تحمل أسوء ما يمكن سماعه من سب وقذف ورمى محصنات واتهامات زائفة دون سند من حقيقة، والغريب أن كل ذلك يحدث على مسمع ومرأى من أجهزة الدولة المعنية بالمراقبة والمتابعة وبتر المروجين للأحاديث غير اللائقة والكلمات الخارجة عن الأخلاق والقانون دون أن تحرك ساكنا وكأن هذا الأمر لا يعنيها، لقد أصبح التجاوز فى اعلامنا عادة والسباب سمة والقذف تقليد، وبات ذلك يحدث كل يوم وليلة الأمر الذى تحولت معه المعايير الأخلاقية فى المجتمع فأصبح الصوت العالى شجاعة والسباب والتجاوز استردادا للحقوق وكأننا نعيش قانون الغاب لا دولة القانون. لقد أصبح المتجاوزون بالكلمات فى مجتمعنا من الرموز الذين يشار اليهم بالبنان فى دليل صارخ على التحول الأخلاقى المشين الذى يعيشه مجتمعنا والذى ربما يؤثر بشدة على أجيال قادمة قد تضع تلك النماذج الشاذة أخلاقيا كمثل عليا وهو أمر جد خطير بقدر خطورته على مستقبل أمة وشعب ان فقدت سماتها وأخلاقها كما قال أمير الشعراء "انما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا".

    ان على كل من الدولة المصرية بكل مؤسساتها والمجتمع المدنى والقطاع الأهلى أن يضطلع بمسئولياته لعلاج هذه الظاهرة السلبية سواء فى الاعلام أو فى المجتمع والتى أساسها "الكلمة" للعودة بالمجتمع المصرى الى سابق عهده من الأخلاق الحميدة التى طالما كان الانسان المصرى مضرب المثل بها فى كل مكان وأوان، وانه ليحضرنى سرد العظيم عبد الرحمن الشرقاوى لحوار الوليد بن مروان مع الحسين حين قال الحسين "مفتاح الجنة فى كلمة .. دخول النار فى كلمة .. وقضاء الله هو الكلمة .. الكلمة لو تعرف حرمة .. زاد مذخور .. الكلمة نور .. وبعض الكلمات قبور .. بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشرى .. الكلمة فرقان بين نبى وبغى .. بالكلمة تنكشف الغمة .. الكلمة نور .. ودليل تتبعه الأمة .. عيسى ما كان سوى كلمة .. أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين .. فساروا يهدون العالم .. الكلمة زلزلت الظالم .. الكلمة حصن الحرية .. ان الكلمة مسئولية .. ان الرجل هو الكلمة .. شرف الرجل هو الكلمة .. شرف الله هو الكلمة"، أو كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فى حديثه لمعاذ بن جبل عندما أخذ بلسانه "كف عليك هذا" فسأل معاذ "يا نبى الله وانا لمؤاخذون بما نتكلم به؟" فرد الرسول الكريم عليه أفضل صلاة وسلام "ثكلتك أمك وهل يكب الناس على وجوههم الا حصائد ألسنتهم"

    ان الكلمة التى نتحدث بها ربما تكون لنا من المنجيات وربما تكون من المهلكات، فلنحذر الكلمة التى تنطلق من اللسان كالرصاصة التى لا يمكن اعادتها بعد اطلاقها، وليبدأ كل منا بنفسه الطريق، طريق مكارم الأخلاق الذى يبدأ بالكلمة الطيبة جعلنا الله واياكم من أصحاب طيب الكلم وجنبنا الخبائث ما ظهر منها وما بطن.

     

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن