بقلم : سامر حسن
محلل أسواق أول في XS.com
استقرت عملة البيتكوين اليوم بالقرب من مستوى 113,000 دولار بعد يومين متتاليين من التراجع، في محاولة لإيجاد موطئ قدم جديد مع إعادة تقييم المتداولين على المدى القصير للتوازن بين تراجع مستويات الرافعة المالية وتحسن شهية المخاطرة في الأسواق العالمية.
قد تعكس هذه الاستقرار النسبي بوادر محتملة للتعافي، لكنه لا يزال هشّاً ويعتمد إلى حد كبير على استمرار عوامل الاقتصاد الكلي الداعمة. فعلى الصعيد الأساسي، فإن مزيج تحسّن المعنويات في أسواق الأسهم العالمية، وتجدد التفاؤل بشأن العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وعودة التدفقات إلى صناديق التداول الفوري للبيتكوين، قد يساعد جميعه في استعادة الثقة في السوق. ومع ذلك، فإن ضعف وتيرة تراكم البيتكوين الفوري وارتفاع مستويات التصفية في أسواق العقود الآجلة يشيران إلى أن أي تعافٍ محتمل قد يكون فنياً أكثر منه هيكليّاً.
ووفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، دخلت أسواق الأسهم العالمية مرحلة جديدة من التفاؤل، إذ ارتفعت المؤشرات الأمريكية إلى مستويات قياسية جديدة محققة مكاسب متتالية قوية. وقد ساهمت الأرباح القوية للشركات، وتجدد الثقة في المفاوضات التجارية بين واشنطن وبكين، وموجة من صفقات الاندماج الضخمة في تعزيز هذا الزخم الصاعد. وتجاوزت نتائج الشركات في مختلف القطاعات التوقعات عموماً، ما ساعد على تبديد المخاوف التي أثارتها في وقت سابق مشاكل البنوك الإقليمية والنزاعات الجمركية.
ومع أن هذا التحسن الواضح في المعنويات يُعتبر داعماً للأصول عالية المخاطر مثل البيتكوين، إلا أنه في الوقت ذاته يثير مخاوف من احتمالية المبالغة في التقييمات، إذ يبدو أن الحماس المضاربي يتقدم بوتيرة أسرع من الأساسيات الاقتصادية الفعلية.
وقد تعززت موجة التفاؤل هذه بفضل التقدم المحرز في المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. فبحسب وول ستريت جورنال، يقترب الجانبان من التوصل إلى اتفاق قد يشمل تقليص واشنطن للتعرفة الجمركية البالغة 20% على السلع الصينية إلى النصف تقريباً، مقابل قيام بكين بتشديد الرقابة على صادرات المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع مادة الفنتانيل. ومن المتوقع أن يناقش الرئيسان دونالد ترامب وشي جين بينغ هذا الاتفاق خلال لقائهما المرتقب في كوريا الجنوبية، بعد أشهر من المفاوضات التي قادها وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت.
كما يُتوقع أن يتضمن الاتفاق استئناف الصين مشترياتها الكبيرة من فول الصويا الأمريكي وتعليق فرض قيود جديدة على صادرات المعادن النادرة. وإذا ما أُبرم رسميّاً، فقد يسهم في استقرار تدفقات التجارة العالمية، وتخفيف الضغوط على المزارعين الأمريكيين، ودعم شهية المخاطرة في الأسواق الناشئة وأسواق الأصول الرقمية على حد سواء.
وفي الوقت ذاته، يترقب المستثمرون أن يُعلن الاحتياطي الفيدرالي عن خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس اليوم، بما يتماشى مع التوقعات التي يعكسها تسعير العقود الآجلة في بورصة شيكاغو. كما سيراقب المتداولون عن كثب نبرة رئيس البنك، جيروم باول، بحثاً عن أي مؤشرات تميل إلى التيسير النقدي المستمر. ومن شأن انخفاض العوائد الحقيقية وضعف الدولار أن يقدما دعماً إضافيّاً للبيتكوين باعتبارها أصلاً بديلاً، خاصة مع تحوّل الطلب بعيداً عن الملاذات التقليدية نحو الأصول الحساسة للعائد.
أما على صعيد المستثمرين المؤسسيين، فقد بدأت بوادر الاستقرار بالظهور مجدداً، إذ تعافت التدفقات الصافية إلى صناديق البيتكوين الفورية المتداولة للأسبوع الثاني على التوالي، مسجلة أكثر من 350 مليون دولار خلال أول جلستين من هذا الأسبوع، وفقاً لبيانات SoSo Value. وتشير هذه الأرقام إلى أن المستثمرين الكبار بدأوا بإعادة بناء مراكزهم بحذر بعد أسابيع من تجنب المخاطر، وهو ما قد يخفف من حدة التذبذب السعري في المدى القصير.
ورغم ذلك، لا تزال المخاطر قائمة على عدة جبهات. فبحسب مقال رأي لهيئة التحرير في وول ستريت جورنال، ما تزال معدلات التضخم في الولايات المتحدة أعلى بكثير من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، حيث سجل التضخم العام والأساسي على حد سواء 3% على أساس سنوي في سبتمبر. ورغم ذلك، تُصر الإدارة الأمريكية على وصف هذه الأرقام بالتقدم. وانتقدت الصحيفة كلاً من السياسة النقدية والمالية لدورهما في إبقاء الأسعار مرتفعة؛ إذ ساهمت خفض الفائدة المبكر من جانب باول في تيسير الأوضاع المالية، بينما زادت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب من الضغوط التضخمية. وحذرت هيئة التحرير من أن واشنطن قد تكون بصدد تطبيع معدل تضخم عند 3%، وهو ما قد يُضعف ثقة المستهلكين على المدى الطويل ويحد من القوة الشرائية الحقيقية للأسر.
وعلى صعيد المشتقات الرقمية، ما تزال تصفيات المراكز الشرائية في العقود الآجلة للبيتكوين مرتفعة، متجاوزة 581 مليون دولار خلال يومي الاثنين والثلاثاء. ويعكس ذلك استمرار معاناة المتداولين ذوي الرافعة المالية من ضغوط الهامش، وهو عامل يواصل كبح محاولات التعافي السعري في الأجل القصير. وفي السياق ذاته، لا يزال مؤشر حجم التداول التراكمي (OBV) قريباً من أدنى مستوياته منذ أبريل، دون أي دلائل واضحة على إعادة التراكم. ويشير غياب التدفقات المستمرة من المشترين في السوق الفورية إلى أن السوق لا يزال عرضة لضغوط بيعية جديدة في حال تراجع المعنويات العالمية.
في المحصلة، يعكس استقرار البيتكوين حول مستوى 113,000 دولار توازناً مؤقتاً بين تحسن تدريجي في البيئة الاقتصادية العالمية وبين الهشاشة الداخلية المستمرة في السوق. فالتقاء موجة التفاؤل العالمي مع التقدم في المفاوضات التجارية وتوقعات التيسير النقدي يهيئ أرضية محتملة للتعافي، إلا أن استمرار المخاطر التضخمية وضعف المؤشرات على السلسلة يظلان عاملين كبح أساسيين. ما لم تؤكد بيانات السوق حدوث تراكم جديد يشير إلى عودة الطلب المؤسسي بقوة، فقد تبقى مكاسب البيتكوين في المدى القصير محدودة ضمن نطاق تداول هش ومتقلب.







