كتب : ساره نور الدين
طوّر محتالون إلكترونيون وسائل خداع باستخدام «التزييف الصوتي العميق» لأصدقاء ومعارف ضحاياهم، حتى تنطلي تلك الحيل على الأشخاص المُستهدفين، ويتجاوبوا مع رسائل صوتية تَرِد إليهم طلباً للمال.
وقال ضحايا هذا الأسلوب الاحتيالي إنهم لم يتخيلوا إطلاقاً أن تكون الرسائل التي وردتهم مزيفة، فالأصوات متطابقة مع أصوات أصدقائهم، ورغم ثقافتهم وإلمامهم بكثير من أساليب الاحتيال الإلكتروني فإنهم وقعوا في الفخ، لأنهم صدّقوا أن أصدقاءهم في ورطة مالية، ويحتاجون إلى مساعدة عاجلة.
وكشفت دراسة حديثة أجرتها مجموعة مصرفية دولية عن انتشار هذا الأسلوب عالمياً، ويُطلق عليه «هاي ماما - HI Mum»، ويتمثّل في الاحتيال على الضحايا عبر الرسائل النصية، حيث يدعي مرسلوها بأنهم من أقارب أو معارف أو أصدقاء الشخص (الضحية) ويطلبون منه المال، ويستخدمون تقنية الصوت، لجعل الرسائل الإلكترونية أكثر واقعية وإقناعاً بالنسبة للضحايا.
وتفصيلاً، قالت إحدى ضحايا أسلوب «هاي ماما»، فضلت عدم ذكر اسمها، إنها فوجئت برسالة صوتية نصية وردت إليها من صديقة مقربة، تطلب منها مساعدة مالية عاجلة، لافتة إلى أنها استغربت الرسالة في البداية، لكنها لم تشك لحظة في أنه صوت صديقتها.
وأضافت أن مرسل الرسالة طلب منها القيام بتحويل مالي إلى حساب بنكي، فلم تتردد كثيراً وتجاوبت مع الرسالة، وقامت بتحويل الملبغ إلى الحساب البنكي بحسب ما طُلب منها، وانتظرت استجابة لاحقة من صديقتها، لكنها لم ترد عليها بأي رسالة.
وأشارت إلى أنها اتصلت بصديقتها لاحقاً، وسألتها عن سبب حاجتها العاجلة إلى المال، وما إذا كانت تحتاج إلى مساعدة أخرى، لكنها صُدمت عندما أخبرتها صديقتها بأنها لم ترسل إليها أي رسائل، ولا تعرف شيئاً عمّا حدث، بل إن المفاجأة الكبرى أن الصديقة ذاتها لم تكن على علم بأن حساب «واتس أب» الخاص بها تعرّض للقرصنة، وأن المحتال الذي استولى عليه تواصل بالطريقة ذاتها مع عدد من أقاربها وأصدقائها المقربين، واحتال عليهم بالطريقة ذاتها.
وأكّدت أنها على دراية واسعة بالأساليب الاحتيالية، كما أن تعليمها ووظيفتها يتيحان لها سعة الاطلاع، لكن كان التزييف الصوتي بالغ الدقة، فلم تشك في أنه لصديقتها، مشيرة إلى أنها أبلغت بقية الأصدقاء المشتركين باختراق حساب صديقتها عبر «واتس أب»، حتى يأخذوا حذرهم.
إلى ذلك أصدرت «مؤسسة سانتادير» المصرفية تحذيرات جدية من أسلوب احتيالي يُعرف باسم «مرحباً أمي» أو «هاي ماما»، يتلقى من خلاله الضحايا رسائل صوتية تتطابق مع أصوات أقارب ومعارف وأصدقاء مقربين، وتتضمن عادة مناشدة عاجلة بالمساعدة، كون صاحب الرسالة يواجه أزمة أو موقفاً طارئاً يستلزم تقديم الدعم المادي له.
وأفادت الدراسة التي أجرتها المؤسسة بأن هناك تطوراً مذهلاً في هذه التقنيات، ويعمد المحتالون إلى استخدام تطبيقات التعرّف إلى الصوت، لضمان جعل الرسائل الصوتية أكثر واقعية وتطابقاً مع الصوت المُستنسخ، بغية إقناع الضحايا.
وقال الخبير في الأمن السيبراني، الدكتور معتز قوقاش، إن هذه الإشكالية تزداد تعقيداً بالنسبة للشركات، خصوصاً في ظل تطور أدوات الذكاء الاصطناعي المُخصصة للتزييف العميق، إذ تتفاخر شركات منها «إليفن لابس» الرائدة في هذا المجال، بقدرتها على إنشاء أصوات لا يمكن تمييزها عن نظيرتها الحقيقية، ومن ثم يقترح الخبراء استخدام كلمات سرية، للتحقق من هوية الأشخاص عند التعامل في إطار العمل أو إنجاز معاملات أو إجراء تحويلات بناء على أوامر صوتية.
أضاف أن هذه التقنيات كانت مُعقدة وغالية الثمن في الماضي، لكنها أصبحت اليوم متاحة في تطبيقات مجانية ورخيصة، لافتاً إلى أن الصوت المزيف كان في البداية آلياً وغير مُقنع، ويغلب عليه التشويش أو التأخير، لكنه الآن أصبح أكثر سلاسة، وبإمكانه تقليد النبرة والإيقاع وحتى الانفعالات نفسها.
وأشار إلى أن العصابات المتخصصة في هذا النوع المتطور من الجرائم، أصبحت تستخدم مكالمات فيديو وأصواتاً مزيفة، لزيادة الإقناع، وتحرص على التلاعب إنسانياً بالشخص المُستهدف، من خلال إضافة عنصر الاستعجال، مثل: (أنقذني فوراً، لا يوجد لديّ وقت)، بهدف كسر أي تفكير عقلاني لدى الضحية.