ساهمت نماذج الذكاء الاصطناعي "لاما" (Llama) مفتوحة المصدر من شركة ميتا في تشكيل استراتيجية الشركة للذكاء الاصطناعي، ومع ذلك، فقد غادر الشركة معظم الباحثين الذين طوروا النسخة الأصلية لهذه النماذج.
ومن بين 14 مؤلفًا وردت أسماؤهم في الورقة البحثة المهمة التي قدمت نموذج لاما للعالم في 2023، لا يزال ثلاثة فقط يعملون في "ميتا".
العربية ميديابريطانيا توجه اتهامات جديدة إلى "ميتا"
وهؤلاء الثلاثة هم: الباحث هوغو توفرون، والمهندس الباحث كزافييه مارتينيه، وقائد البرنامج التقني فيصل أزهار. أما البقية فقد غادروا الشركة، وانضم العديد منهم إلى منافسيها الناشئين أو أسسوا شركات أخرى، بحسب تقرير لموقع بيزنس إنسايدر، اطلعت عليه "العربية Business".
تتجلى هجرة المواهب في "ميتا" بشكل أوضح في "ميسترال"، الشركة الناشئة التي تتخذ من باريس مقرًا لها، والتي شارك في تأسيسها الباحثان السابقان في "ميتا"، غيوم لامبل وتيموثي لاكروا، وهما اثنان من أبرز مهندسي "لاما".
وإلى جانب العديد من زملائهم السابقين في "ميتا"، يعمل الباحثان على بناء نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر قوية تُنافس بشكل مباشر جهود "ميتا" الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وتثير هذه الحالات بمرور الوقت تساؤلات حول قدرة "ميتا" على الاحتفاظ بأفضل المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي في الوقت الذي تواجه فيه موجة جديدة من الضغوط الخارجية والداخلية.
وأجلت الشركة إطلاق أكبر نموذج ذكاء اصطناعي لها على الإطلاق، "Behemoth"، بعد مخاوف داخلية تتعلق بأدائه، بحسب ما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال في وقت سابق.
أما أحدث نماذجها "لاما 4" (Llama 4)، فقد لاقى استقبالًا فاترًا من المطورين، الذين بات العديد منهم يتوجهون الآن إلى نماذج مفتوحة المصدر من منافسين أسرع نموًا مثل "ديب سيك" و"كيوين" للحصول على قدرات متطورة.
تحدي الحفاظ على الريادة
داخل "ميتا"، شهد فريق البحث أيضًا تغييرات جذرية. فقد أعلنت جويل بينو، التي قادت مجموعة أبحاث الذكاء الاصطناعي الأساسية "FAIR" في الشركة لمدة ثماني سنوات، الشهر الماضي أنها ستتنحى عن منصبها. وسيحل محلها روبرت فيرغوس، الذي شارك في تأسيس "FAIR" عام 2014 ثم أمضى خمس سنوات في شركة "ديب مايند" التابعة لغوغل قبل أن ينضم مجددًا إلى "ميتا" هذا الشهر.
وتأتي حركة التغييرات هذه بعد فترة من التراجع الهادئ. فقد غادر العديد من الباحثين الذين يقفون وراء النجاح الأولي لنموذج "لاما" مجموعة "FAIR" منذ نشر ورقتهم البحثية البارزة، حتى مع استمرار "ميتا" في وضع عائلة النماذج في صميم استراتيجيتها للذكاء الاصطناعي.
ومع رحيل العديد من مهندسيها الأصليين، وتسارع وتيرة منافسيها في ابتكار البرمجيات مفتوحة المصدر، تواجه "ميتا" الآن تحدي الدفاع عن ريادتها المبكرة دون الفريق الذي بناها.
وهذا الأمر ذو أهمية خاصة لأن ورقة "لاما" البحثية لعام 2023 لم تكن مجرد إنجاز تقني. فقد ساعدت في إضفاء الشرعية على النماذج اللغوية الكبيرة مفتوحة الوزن، التي تتوفر أكوادها ومعلماتها الأساسية مجانًا للآخرين لاستخدامها وتعديلها والبناء عليها، باعتبارها بدائل قابلة للتطبيق للأنظمة الذكاء الاصطناعي مغلقة المصدر في ذلك الوقت، مثل "GPT-3" من "OpenAI" و"PaLM" من "غوغل".
درّبت "ميتا" نماذجها باستخدام بيانات متاحة للجمهور فقط، وحسّنتها لتحقيق الكفاءة، مما مكّن الباحثين والمطورين من تشغيل أنظمة متطورة على شريحة وحدة معالجة رسومية واحدة فقط. ولفترة من الزمن، بدا أن "ميتا" قادرة على قيادة طليعة هذا المجال المفتوح.
وبعد عامين، تراجعت هذه الصدارة، ولم تعد "ميتا" تقود مجال الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر هذا.
وعلى الرغم من استثمار مليارات الدولارات في الذكاء الاصطناعي، ما زالت "ميتا" لا تمتلك نموذج "تفكير"، أي نموذج مُصمم خصيصًا للتعامل مع المهام التي تتطلب تفكيرًا متعدد الخطوات، وحل المشكلات، أو استخدام أدوات خارجية لإكمال أوامر مُعقدة.
وقد ازدادت هذه الفجوة وضوحًا مع إعطاء شركات أخرى مثل "غوغل و"OpenAI" الأولوية لهذه الميزات في أحدث نماذجها.
وتجاوز متوسط مدة عمل الباحثين الأحد عشر الذين غادروا "ميتا" الخمس سنوات، مما يُشير إلى أنهم لم يكونوا موظفين مؤقتين، بل باحثين مُنخرطين بعمق في جهود "ميتا" في مجال الذكاء الاصطناعي.
وغادر بعضهم في يناير 2023؛ وبقي آخرون حتى دورة إصدار "لاما 3"، وغادر عدد قليل منهم هذا العام. ويُمثل رحيلهم معًا التفكك الهادئ للفريق الذي ساعد "ميتا" على بناء اسمها في مجال نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر.