كتب : وائل مجدي
من المعركة على شبكات الجيل الخامس وصناعة الهواتف الذكية، إلى المعركة على رقائق الذكاء الاصطناعي، يعود الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية وعملاق التكنولوجيا الصيني هواوي إلى الواجهة من جديد، وذلك بعد سنوات من الهدوء الظاهري.
ففي خطوة تصعيدية، حذّرت أميركا منذ أيام أي شركة أو مؤسسة في العالم، من استخدام الرقائق الإلكترونية التي تنتجها شركة هواوي، ملوّحة بعقوبات جنائية تطال من يخرق هذا الحظر.
وأكد مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة الأميركية، أن إصدارات 910B و 910C و 910D من شرائح Ascend المتطورة التي تنتجها هواوي، تخضع لقواعد التصدير المُشددة بسبب احتوائها، على الأرجح على تكنولوجيا أميركية، أو اعتمادها في مراحل تصنيعها على أدوات ومعدات مصدرها الولايات المتحدة.
وأوضح المكتب أن مجرد استخدام أي جهة في أي مكان في العالم لهذه الإصدارات من الشرائح، يُعد انتهاكاً لقوانين التصدير الأميركية ويعرّض الجهة المُستخدمة للملاحقة.
في المقابل رأت وزارة التجارة الصينية أن التوجيهات الأميركية بحق شرائح هواوي، تهدد استقرار سلاسل توريد أشباه الموصلات العالمية، مشيرة إلى أن السلطات الصينية ستتخذ خطوات للدفاع عن الحقوق والمصالح المشروعة لشركاتها المحلية، حسبما نقلت "رويترز".
وتُعيد الحملة الأميركية المتجددة ضد هواوي طرح تساؤلات ملحّة حول خلفيات هذا التصعيد وتوقيته، غير أن ما يبدو واضحاً هو أن واشنطن تتحرك مدفوعةً بقلق متزايد، من الطفرة التي تُحققها هواوي في مجال إنتاج شرائح الذكاء الاصطناعي، وسط اعتقاد أميركي بأن هذا التقدم يستند إلى تكنولوجيا أميركية محظورة، يجري تهريبها إلى الصين بطرق غير مشروعة، وذلك في تحدٍ مباشر للقيود التي فرضتها لحماية تقنياتها المتقدمة.
وبالفعل فقد بدأت هواوي بتزويد عملائها في السوق المحلية بمنظومة رقاقات جديدة للذكاء الاصطناعي، حيث تقول الشركة الصينية إن هذه المنظومة تتفوّق على رقاقات إنفيديا الأميركية في مجالات مثل القدرة الحوسبية وحجم الذاكرة. وذكرت مصادر مطلعة على تصميم رقائق هواوي لوكالة رويترز، أن ما حققته الشركة الصينية يُمثل أكثر من طفرة تكنولوجية صينية، كون هذه الشرائح توفّر أداءً يضاهي أداء شرائح "إتش 100"، التي طورتها شركة إنفيديا الأميركية.
وبحسب تقرير أعدته "بلومبرغ" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فقد برزت شركة هواوي تكنولوجيز عالمياً، كشركة رائدة في مجال شبكات الجيل الخامس اللاسلكية والهواتف الذكية، قبل أن تتجه لاحقاً نحو مجال تصميم الرقائق والذكاء الاصطناعي.
تُثير الحملة الأميركية الحالية ضد هواوي، تساؤلاتٍ حول مدى فعالية الجهود التي اتخذتها الإدارات الأميركية المتلاحقة، لاحتواء صعود نجم الشركة الصينية التي يبدو أنها نجحت في 2025 بترسيخ نفسها كمورد رئيسي للرقائق في السوق المحلية.
وتُعدّ هواوي حالياً، أهم سلاح لبكين في معركة أشباه الموصلات التي من المُتوقع أن تُشكّل عصب الاقتصاد العالمي لعقود قادمة، فطموحات الشركة الصينية تتجاوز الآن مجرد إنتاج هواتف أو معدات اتصالات أو أنظمة تشغيلية للأجهزة، حيث أن أعمال هواوي توسعت، لتشمل إنشاء شبكة من المصانع لتصنيع رقائقها الخاصة، وهو ما أشادت به وسائل الإعلام الحكومية الصينية باعتباره انتصاراً على العقوبات.
ولكن ورغم التقدم الذي حققته هواوي، تبقى الحقيقة أن الإجراءات الأميركية كبحت نمو أعمالها خارج الصين، ما جعل هيمنة الشركة محصورة بشكل متزايد في سوقها المحلية الواسعة.
لطالما نفت هواوي بشدة الاتهامات الأميركية التي تزعم تعاونها مع حكومة بكين، في عمليات تجسس على حكومات أو شركات أو أفراد. ولكن في الفترة الأخيرة، اتبعت الشركة نهجاً أكثر تحفظاً في الإفصاح عن تفاصيل معينة تتعلق بعمليات إنتاجها للرقائق، الأمر الذي عزّز الشكوك الأميركية بأن هذه الرقائق قد تعتمد، بشكل غير مباشر، على تكنولوجيا أميركية محظورة.
وفي عام 2019، أصبحت هواوي هدفاً للولايات المتحدة، عندما أدرجتها إدارة ترامب في القائمة السوداء، وضغطت على حلفائها لحظر معداتها، بسبب مخاوف تتعلق بالتجسس على مستخدمي شبكات الاتصالات والهواتف المحمولة. وكادت العقوبات أن تقضي على أعمال هواوي في مجال الهواتف، ولكن الشركة استعادت عافيتها وهي الآن في صميم الجهود الوطنية الصينية، لتحقيق الاستقلال التكنولوجي عن الغرب في صناعات مستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي.