التحول الرقمي ... بين الحلم والواقع

  •  

    بقلم : خالد حسن

     

    هل " التحول الرقمي"  يشكل تهديدا كبيرا للكثير من فئات الموظفيين وخاصة فى الجهات الحكومية ؟ وهل التحول نحو" المجتمع الرقمي " يولد قوى مقاومة عكسية عند محاولة تطبيقه على ارض الواقع ؟

    هذا ما دار بذهنى عند الاضطرار ، الأسبوع الماضى ، للتعامل مع عدد من الجهات الحكومية فى مختلف القطاعات ، المالية والأمنية ، وهل جوهر وحديث المتخصصين وخبراء التكنولوجيا عن أهمية وضرورة التحول الرقمي وصل بالفعل الى صغار الموظفيين الحكوميين فى جميع الأدارات و المصالح أو على الاقل فى الأدارات التى تتعامل مع المواطنيين ؟ أم أنه مازالت هناك فجو كبيرة جدا بين طموحنا فى مجال التحول الرقمي للجهات الحكومية وبين ما هو واقع ومملوس على الأرض ويشعر به الموطن ؟

    فى البداية يجب ان نؤكد ان مصر تشهد بالفعل عملية تحول رقمي منذ عشرين عاما في جميع مؤسساتها لاسيما الحكومية ، والتي تستهدف إتاحة المئات من الخدمات الحكومية بصورة إلكترونيًا للمواطنين، عبر منصة مصر الرقمية أو من خلال التطبيقات الذكية أو مواقع الالكترونية للجهات الحكومية ، بالإضافة إلى ضبط وحوكمة آليات سير العمل، وتسهيل الإجراءات وحفظ البيانات بشكل آمن وفي هذا الاطار يتم تطبيق عدة استراتيجيات وأنظمة تمكن من سير الأعمال بشكل ذكي بحيث يتم استغلال تطور التكنولوجيا الكبير الحاصل، لخدمة المواطنين بشكل أسرع وأفضل، لرفع الكفاءة وتقليل الأخطاء وزيادة الإنتاجية.

    الا ان جهود التحول الرقمي في مصر تواجه عدة معوقات مما يتسبب في تعطيل سرعة إنجاز التحول الرقمي وبما تعد العوامل الاجتماعية والقانونية من أهم المعوقات التي يجب الالتفات لها، حيث إن العنصر البشري هو جوهر نجاح أو إحباط أي عملية إصلاح .

    وبدون الدخول فى تفاضيل كثيرة ذهبت الى جهة حكومية ، مصلحة ضرائب القيمة المضافة لمنطقة شرق القاهرة للتسجيل بها،  وذلك بعد قيامى بزيارة منذ شهرين لمعرفة الأوراق والإجراءات المطلوبة وبعد الاضطرار الى أخذ جولة على نحو 5 مصالح حكومية أخرى لتجهيز هذه الأوراق ،ولاحظ أننى اردد كلمة أوراق مطبوعة ، ورغم أن كافة هذه الجهات تتحدث عن عملية التحول الرقمي بها منذ سنوات يهدف امكانية مخاطبة شبكات المعلومات بها كافة الاجهزة الحكومية لتبادل البيانات والمعلومات بصورة الكترونية وفقا لما نطلق عليه " الشبكة الموحدة للمعلومات " الا انه هذا يبدوا حلما بعيد المنال  .

     المهم نجحنا فى تجهيز الأواراق المطلوبة وعند تقديمها الى الموظف المسؤول ، ينظر اليك بنظرة لا تخول من الاستخفاف  أنت فاكر الأمور سهلة كدة ، لاء لسه فى اوراق أخرى جديدة مطلوبة متمثلة فى كيت وكيت وكيت ... طيب وليه لم تقولى لي هذه الأوراق الجديدة من الاول ..يكون الرد أصلى لم  أراجع الاوراق جيدا و أعتبرنى يا سيدى قولتها لك بس لازم تكون موجودة .. لا والله بجد !!

    المستفز أكثر انه يقول لك موظف اخر بكل جراءة " لا أحنا عايزينك تجمد معانا شوية لسه المشوار طووووويل " ...

    وطبعا لم تفلح أى مساعي لتدخل كافة المديرين ورئيس الادارة بان هذا هو خطا الموظف ولا يجب ان يتحمله المواطن للقيام بجولة اخرى على نفس المصالح الحكومية هنا اتساءل اذا كنت وزارة المالية بكافة الجهات التابعة لها والتى لديها مصلجة الضرائب ، التى تمتلك كافة البيانات  تفاصيل اى شركة ،  لا تستطيع ان ترحم المواطن من تكرار جمع الأوراق للتسجيل فى مصلحة أخرى تابعة لها ايضا فما بالنا بالوضع فى الجهات الحكومية والوزارات الأخرى التى تدعى انها لا تعرف اى بيانات معلومات عن غالبية الشركات القائمة فى مصر ؟

    وطبعا وأنت فى هذه المصلحة تسمع لعنات كافة المتعاملين معها سواء من جيش الموظفين الجالسين على كراسيهم خلف مكاتبهم ولا يوجد مكان او كرسي واحد فاضى لجلوس العملاء او عم امتلاكها لاى مؤشر لاستخدامها للحلول التكنولوجية بداية من تسليم المواطن للأوراق مرولرا بالذهاب الى تسجيلها فى البوسطة او الدفتر ، معقولة لسه فى حاجة أسمها كده ، ثم تسليها الى قسم الفحص ثم الى ثم الى .... وكل هذا بصورة تقليدية بحته لا تنم عن أى تطور تكنولوجي ..ليه ؟

    وانتقل الان الى جهة حكومية أخرى وهى " البنك الاهلى المصرى " والتى يؤكد استثماره للمليارات من الجنيهات ضمن خطة التجول الرقمي للبنك حيث اننا نتعامل مع فرع البنك فى منطقة مصر الجديدة ومنذ 10 سنوات تحديدا تم تغير أسم الشركة فى السجل التجاى والبطاقة الضريبية واسالها الى البنك وكافة التعاملات سواء مع عملائنا او موردينا تتم من خلال تعاملات بنكية طوال هذه الفترة الا اننا فؤجئنا بقرار من البنك بضروة تحديث اسم حساب الشركة ..نعم أزاى يعنى أمال العشر سنوات دول ايه !!

    المهم طبعا الاجابة دائما من الموظف ده الوضع الحالى وانه غير مسؤول عن أن زميله ، اللى كان موجود من 10 سنوات ، لم يقوم بتحديث أسم حساب الشركة  فى النظام الخاص بالبنك ... لا يارااااجل .

    امال أزى نفس النظام الالكترونى كان يتعامل مع كافة معلاماتنا البنكية بالاسم الجديد للحساب ولم يتم رفض اى معاملة بنكية لنا  ؟

    المفاجئة الغير سارة ، ورغم كافة الحواديت عن التحول الرقمي فى البنك الاهلى المصري الا اننى فؤجئت بطلب قائمة طويلة من الأوراق تتطلب القيام بزيارة ما لا يقل ايضا عن 6 جهات حكومية للحصول منها على أوراق تقليدية مرة عليها اكثر من 10 سنوات  ، لا أعرف ما أرتباطها بتعديل اسم حساب الشركة ، بس المهم ان أوامر أدارة المراجعة فى البنك الاهلي المصرى لازم تنفذ  .

    بجد أحنا محتاجين راجعة ما هو تعريف " التحول الرقمي " وهل وهو مجرد احلال الكمبيوتر محل الورقة والقلم أمام نفس عقلية الموظف الحكومي ؟ ومتى ستتخاطب الجهات الحكومية مع بعضها لترحم المواطن الفقير من الاعباء النفسية والمالية والجهد العقبي الذى يتحمله عن اضطراه الى التعامل مع اى جهة حكومية .

    بصراحة الواحد بقي بيدعى ربنا يوميا الا تضطره الظروف الى التعامل مع أى جهة حكومية ولا التعامل مع اى موظف حكومي فهم السبب الرئيس للتنكيد على عشرات الملايين من المصريين يوميا .

    ويظل السؤال متى ننجح فى تطبيق التحول الرقمي الحقيقى فى الجهات الحكومية ؟ و لا يضظر المواطن ، فرد أو مؤسسة ، ليري الوجه العبوس لموظفى الجهات الحكومية وبتعامل فقط مع شاشة جهاز الكمبيوتر او الهاتف المحمول للحصول على كافة احتياجاته كمواطن فى دولة تحترم حقوق مواطنيها فى الانتقال الى المجتمع الرقمي  .

      

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن