الحكومة الذكية .. والعمل عن بعد

  • نبضات

     

    بقلم : خالد حسن

    هل باتت الحكومات الذكية ، التي تعتمد على توظيف أحدث الحلول التكنولوجية ، في حاجة ماسة إلى مباني ومقرات لها لتقديم كل خدماتها إلى المواطنين بصورة محسنة وتواكب عصر التحول الرقمي أم باتت هذه المباني والمقرات " شىء من الماضي"  أو مجرد مكان يتيح للموظفين الحكوميين الاجتماع به  ؟  وهنا تأتي أهمية الحديث عن مفهوم " العمل عن بعد ".

    في البداية يجب أن نؤكد أن جائحة فيروس كورونا " كوفيد – 19 " ، والتى ضربت مختلف دول العالم على مدار عامين ، نجحت في إعطاء دفعة نوعية كبيرة لما بات يعرف بـ " الحياة الرقمية " والتي تعد أحد أهم سماتها زيادة تعامل واعتماد البشر على الاستفادة من الأدوات والحلول التكنولوجية وثورة الاتصالات والإنترنت فى تغير نمط حياتهم بصورة لم تكن متوقعة ولم يخطط لها احد بهذه السرعة .

    وبالطبع فإن أنظمة العمل وبصورة أساسية التي تتم من داخل المكاتب بمقرات مؤسسات الأعمال ، سواء بالجهات الحكومية أو الخاصة ، كانت أكثر المتأثرين بفيروس"  كورونا " فبعد أن كانت هذه المكاتب تعج بالكثير من الموظفين ، ولا أبالغ في حدوث ازدحام بعدد كبير المؤسسات الحكومية ، فإن مع اتخاذ الحكومة قرار تقليل عدد الموظفين الحكومين في كل جهة حكومية ، وذلك ضمن العديد من الإجراءات الاحترازية ، والتي استهدفت تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعى لتقليل فرص انتشار العدوي بالفيروس أصبحت غالبية مؤسسات الأعمال تقدم خدمات بنحو 50 % من القوى العاملة بها .

     

     

    ومؤخرا استعرض  الدكتور مصطفى مدبولي ـ رئيس مجلس الوزراء ، في اجتماع المجلس الأسبوع الماضي بالعاصمة الإدارية الجديدة ، نتائج أعمال وتوصيات اللجنة المشكلة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 4386 لدراسة المقترحات الخاصة بتطبيق نظام “العمل عن بعد” لبعض العاملين بالجهاز الإدارى بالدولة دون الحاجة إلى التواجد بمقار العمل وتمت الإشارة إلى عدد من الآليات والمحددات لتطبيق هذا النظام، مع مراعاة مجموعة من الجوانب الإدارية والتنظيمية والفنية والقانونية والمالية، على أن يتم التشغيل التجريبى لهذا النظام فى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، لمدة 6 أشهر، ثم عرض نتائج هذا التشغيل التجريبي لاحقا على مجلس الوزراء.

    كما أن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات كانت أعلنت ، سابقا ، أنه  ستتم إتاحة الخدمات الحكومية  للمواطنين بصورة الكترونية من خلال خمسة منافذ وهى تطبيقات المحمول، ومنصة رقمية على الانترنت، ومراكز خدمات المواطنين، ومراكز الاتصال، والبريد المصرى كذلك تم ربط 5300 مبنى حكومي من خلال شبكة الألياف الضوئية في اطار خطة لربط كل المبانى الحكومية والتي يبلغ عددها نحو 32 ألف مبنى حكومى على مستوى الجمهورية بهذه الشبكة خلال 36 شهرا، وبتكلفة تصل إلى 6 مليارات جنيه من أجل ضمان استمرار تقديم خدمات حكومية رقمية متميزة للمواطنين دون الاعتماد على شبكة الانترنت .

    وبالطبع فإن هناك الكثير من مؤسسات الأعمال ،لاسيما الخاصة ،  التي طبقت مفهوم  العمل من المنزل "  Work from home " بصورة شبه تامة ولم تتأثر إنتاجية أو كفاءة غالبية موظفيها ونجحت في الاستمرار والبقاء دون أن تتعرض لأي تقلبات كبيرة وهو بالتأكيد ما يدفعنا إلى التساؤل أيهمها أفضل الاستثمار في مقار العمل وإنشاء المكاتب والمباني ام الاستثمار في الموارد البشرية والعمل على تنمية مهارات التكنولوجيا وتحسين بنيها التحتية من الحلول التكنولوجية والاتصالات  ؟ وهل زمن المكاتب قد ولي ولن يعود ؟

    ومؤخرا أكد الدكتور مصطفى مدبولي ـ رئيس مجلس الوزراء ، على الأهمية البالغة لميكنة العمل بالوزارات والجهات الحكومية ومتابعة تنفيذ التطبيقات االالكترونية لتشغيل الخدمات الحكومية ، وفق التوقيتات الزمنية المحددة، حتى يتسنى إجراء عملية الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة وفقاً لميكنة العمل في الوزارات وجميع الجهات الحكومية، مشدداً على اهمية التدريب المستمر لجميع موظفى الوزارات والجهات المختلفة على هذه التطبيقات، بما يُسهم في النهوض بمستوى أداء جميع العاملين بالجهاز الإداري للدولة منوها الى ضرورة إجراء تجارب عملية لعدد من هذه التطبيقات، والتي منها تطبيق إدارة الموارد البشرية، وتطبيق إدارة المشروعات القومية، وتطبيق الأرشيف الإلكتروني والمراسلات، إلى جانب تطبيقات ترتبط بإدارة المحتوى الرقمي، ومنصة العمل الحكومي الموحد، والتخطيط الاستراتيجى.

    فى تصورى ان الصورة التقليدية للعمل من المكاتب لن تعود الى ما كانت عليه ، وستصبح هذه الصورة شىء من الماضي وفى مخيلة البعص فقط ، حيث أصبحت الحلول التكنولوجية لمنظومة العمل عن بعد هى مكون رئيسى ومتزايد فى كل اليات العمل المستقبلية ، سواء للعمالة المنتظمة او العمالة المؤقته ، وعلى المؤسسات التي تبحث عن زيادة قدراتها التنافسية أو المؤسسات الحكومية التى تريد توير اليات عملها وتقديمه خدمات للمواطنين أن تعتمد على مزيد من مفهوم " العمل عن بعد " وهو ما يثير فى أذهان هل البنية التحتية للانترنت والاتصالات تتيح لنا تحقيق الطفرة المنشودة والتوسع فى تطبيق منظومة " العمل عم بعد " ، لاسيما مع توقع بعض الدراسات العالمية ان 80 % من مؤسسات الأعمال سوف تعتمد بصور اكبر فى توظيف 50 % من العمالة الجديدة على تطبيق " العمل عن بعد " وبالتالي من المنطق ان يستعد الجميع فالامور لن تعود الى طبيعيها وسابق عدها في سوق العمل بكثير من القطاعات الاقتصادية خاصة الخدمية .

    في اعتقادي أن العمل من المكتب لن ينتهي العام الحالى أو القادم، ولا أدعو الى ذلك ، ولا يمكن الجزم بموعد محدد بانتهاء صورة العمل التقليدي ، خاصة وأن البعض سيتشوق للحياة المكتبية باستمرار كما ستظل فى احتياج مستمر الي تواجد جزء من العمالة فى المكاتب للتعلم ونقل الخبرات من الجيل الاكبر الى الجيل الشاب وهنا نؤكد اهمية وجود هيكل العمل بصورة التنظيمية الحالية موظفين ورئيس قسم ومجموعة مدراء ورئيس تنفيذي ، حتي فى العالم الافتراضى ، حيث إن اعتمادنا علي مبدأ أنه إذا منح الأفراد الحرية، فسيبذلون قصارى جهدهم إن التجارب تعلمنا أن المدراء يضيفون حقاً الكثير من القيمة والتنظيم للعمل حيث إن الموظفين يكون في حجة فعلية أن يكون هناك أشخاص يخضعون للمساءلة من قبله، شخص يتحدثون إليه بانتظام ويفتح لهم مجالاً لمواجهة التحديات وينقل لهم خبرته .

    كذلك فإننا في حاجة إلى التواصل المباشر من أجل تبادل الافكار واكتساب المهارات والمقترحات الخاصة بتطوير الاعمال وهنا يجب التنويه الى ما اعلنته شركة " تويتر " ، إحدى أهم شبكات التواصل الاجتماعي العالمية ، من خطتها للسماح للموظفين بالعمل من المنزل إلى الأبد، رغم إبقاء أبواب المكاتب مفتوحة أمام من يرغب القدوم إليها .

    في النهاية أؤكد أن مفهوم " العمل عن بعد " ليس وليد فيروس " كورونا " بل مطبق في العديد من مؤسسات الأعمال منذ أكثر من عقدين من الزمن ، ونحن على سبيل المثال في مؤسساتنا جريدة " عالم رقمي " نطبقه منذ اكثر من 12 عاما تقريبا ،  ولكن تداعيات التباعد الاجتماعي لـ "كوفيد -19 " هي ما جعلته يظهر بقوة على السطح ليكون البديل الأمثل لاحتفاظ العمالة بوظائفها واستمرار مؤسسات الأعمال في تقديم خدماتها ولكن على الجميع الاستعداد بقوة لمتطلبات لتعظيم الاستفادة من اليات " العمل من المنزل " لاسيما في الوظائف التى لا تحتاج إلى التعامل المباشر مع الجمهور أو العملاء .

    &

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن