ثقافة الابتكار كرونا يسرع وتيرة تبني الأدوات التي تقودنا إلي الثروة الصناعية الرابعة

  •  

    بقلم : د. غادة عامر 

     

    قد يكون وباء كرونا جاء ليعمل الصدمة المطلوبة والتي كنا نحتاجها لكي نتحول لطرق العمل الجديدة التي تدخلنا إلي الثورة الصناعية الرابعة. ورغم أن الثورة الصناعية تقوم على الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتعاون الرقمي ومساحات العمل الافتراضية والربط بين الأمور الرقمية والفيزيائية والبيولوجية، وكل هذه الأمور تزيد من الإنتاجية وتحسن مستوى المعيشة للبشر، ورغم أنها ليست تنبؤًا بالمستقبل بل دعوة لرفع كفاءة ومخرجات العمل، ورؤية لتطوير التقنيات ونشرها وإدارتها بطرق تعزز أساسًا أكثر تمكينًا وتعاونًا واستدامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، مبنيًا على القيم المشتركة للصالح العام والكرامة الإنسانية والإشراف بين الأجيال. وكذلك رغم المبادرات والقرارات التي تبنتها حكومات عديدة في المنطقة العربية مثل مصر والإمارات والسعودية والأردن، إلا أن معظم الهيئات الحكومية والشركات الخاصة والمؤسسات التعليمية تجنبتها - أو بمعنى أصح تجاهلتها – بسبب أن الكثير ممن يقود هذه الجهات يخافون التغيير، اعتقادا منهم أن التحول الرقمي سوف يهدد أماكنهم لأنهم يجهلونه أو لأنهم يعتقدون أن الطرق القديمة لا تزال تعمل بشكل أفضل.

    ومع بداية شهر مارس الحالي، دخلت الحكومات والشركات في معظم دول العالم في وضع أزمة حادة حيث كانت تتصارع مع الحفاظ على سلامة العمال من فيروس كورونا المستجد بتقليل أو إيقاف كل الأعمال الحكومية والتجارية والصناعية، وهذا بالتأكيد أثر وسوف يؤثر بشكل خطير وغير متوقع على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لتلك الحكومات والمؤسسات، أضف إلي هذا إلغاء فعاليات الأعمال حول العالم، من المؤتمرات الرئيسية إلى المباريات وغيرها من الأحداث التي كانت مصدرا لرفع الاقتصاديات المحلية.  ولتقليل الآثار الاقتصادية الناتجة عن تلك الإجراءات التي لم يكن هناك مفر منها، سعت الحكومات والمؤسسات الحكومية والخاصة جاهدة للحصول على طرق بديلة لإتمام العمل من المنزل. وانتقلت المدارس والجامعات بشكل جماعي إلى التدريس عبر الإنترنت، لكنها ظلت في حيرة في التعامل مع قطاعات الأعمال التي تتطلب مشاركة جسدية كالصناعات التي تحتاج عمالة كثيفة والتي تعتمد على القوي البشرية والعمالة أكثر من الاعتماد على التقنيات الحديثة مثل مصانع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والصناعات الغذائية والدوائية وغيرها

    إن الكثير ممن كانوا يرفضون التحول الرقمي يواجهون صعوبة الآن للتأقلم مع التعامل مع التكنولوجيا خاصة بعد فرض العمل عن بعد في قطاعات عديدة، لأنهم أصبحوا مضطرين للتعامل وقبول التحول الرقمي حتى لا يؤثر على مستقبلهم الوظيفي بعد الأزمة. مثلما يحدث مثلا في قطاعي التعليم ما قبل الجامعي والتعليم العالي. وبسبب القواعد الاحترازية التي فرضت لمنع انتشار الوباء، مثل الابتعاد الاجتماعي، وحظر سفر رجال الأعمال وتقليص الاجتماعات المباشرة، فإن المنظمات بدأت تتبنى أدوات كانت حتى وقت قريب محصورة بالكامل تقريبًا في عمال تكنولوجيا المعلومات والشركات. وقد وفرت تقنيات مثل تلك المستخدمة لتقديم الندوة عبر الإنترنت في قلب عالم العمل الجديد الذي أصبح ممكنًا بفضل الثورة الصناعية الرابعة. حتى الشركات التي كانت "كسولة رقمياً" ستضطر الآن إلى تكثيف تعاملاتها الرقمية مثل: مؤتمرات عبر الإنترنت، ومشاركة المستندات، والحلول السحابية، وأمن المعلومات، لقد تحول مفهوم "العمل عن بعد" من كونه مسألة رفاهية إلى مسألة بقاء الأعمال، أي سواء أعجب البعض ذلك أم لا، سيتعين الآن استخدام التقنيات الرقمية للحفاظ على تشغيل عملياتهم. كذلك مع دخول البلدان في الحظر، اضطر الناس إلى الحفاظ على المسافة الاجتماعية باستخدام التقنيات الرقمية. وبقدر ما يوصف الذكاء الاصطناعي، والروبوتات وأمثال الطباعة ثلاثية الأبعاد بأنها الحافة الرائدة للثورة الصناعية الرابعة، إلا أن تلك العمليات الرقمية البسيطة نسبيًا هي التي ستقود الثورة داخل جميع المجتمعات والمؤسسات. وستكون فوائد العمل عن بعد هي النتيجة الأكثر وضوحًا لتلك الأزمة.

    هناك تقنيات تكنولوجية أخري مهمة لتعامل الحكومات مع الوباء مثلا تكنولوجيا Block chain، وهي تكنولوجيا أساسية للبنية التحتية الرقمية للثورة الصناعية الرابعة، والتي استخدمتها الصين وكوريا الجنوبية بالفعل في تطبيقات الهواتف الذكية لمراقبة الأشخاص المصابين بالمرض. تتضمن هذه التقنيات كل شيء بدءًا من تتبع الموقع الجغرافي الذي يمكنه مراقبة موقع الأشخاص من خلال هواتفهم إلى أنظمة التعرف على الجهة التي يمكنها تحليل الصور لتحديد الأشخاص الذين قد يكونون على اتصال مع الأفراد الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس لاحقًا. هذه مجرد واحدة من العديد من حالات الاستخدام الممكنة. أي إن تقنيات الثورة الصناعية الرابعة هي ما سيمكن الحكومات من النجاة من هذه الجائحة.

    النتيجة من هذا كله أن منحنى تعلم تقنيات الثورة الصناعية الرابعة بسبب الأزمة سوف يكون حادا وسريعا. وسيلاحظ القادة الذين ابتعدوا عن السماح للناس بالعمل من المنزل أن بعض الناس يصبحون أكثر إنتاجية إذا تمكنوا من العمل في بيئاتهم الخاصة. كل هذا يمكن أن يؤدي إلى تحول في العقلية ويمهد الطريق لجهود رقمية كبيرة في السنوات المقبلة.  الرقمنة هي المكان الذي سيكون فيه النمو في العقود القادمة، وقد تعطيه الأزمة الحالية دفعة هائلة

    وفي النهاية الحقيقة هي أن الاضطراب في جوهره هو الاضطراب، سواء أكان تقنيا أم اقتصاديا أو بيئيا أو سياسيا أو حروبا أو وباء، وأن الإضرابات في حياتنا لن تنتهي، ودائما ستكون الخيارات الوحيدة أمام الحكومات وقطاعات الأعمال دائمًا هي نفسها: التكيف أو الموت



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن