المغرب 2025: الثورة الصامتة لسياحة الرفاه

  • بقلم  : لطيفة زنينة

    مستشارة في استراتيجيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات متخصصة في قطاع الفندقة الفاخرة – مكتب الاستشارات إيليت كونسلتينج باريس

     

    نوفمبر 2025. يبلغ المغرب 18 مليون زائر ويحقق 11.3 مليار دولار بحلول أكتوبر. لكن هذه الأرقام المذهلة تخفي تحولاً أعمق بكثير: فقد أعادت المملكة ابتكار معادلة السياحة الحديثة ذاتها.

    الرهان الجريء الذي يغير كل شيء

    بينما تتنافس الوجهات المتوسطية لاستقطاب المزيد من الزوار، يسلك المغرب الطريق المعاكس. اختياره الاستراتيجي؟ تفضيل القيمة على الكم.

    النتيجة تتحدث عن نفسها: 75% من الزبائن الدوليين ينتمون إلى شرائح الفخامة والرفاهية العالية. 25% فقط من السياحة الجماهيرية التقليدية. هذا الانقلاب الكامل للهرم المعتاد يشكل ثورة في الصناعة.

    بعد 25 عاماً من تحليل أداء القصور الفاخرة الدولية، يمكنني تأكيد أن زبون الرفاهية يولّد ثلاثة إلى خمسة أضعاف العوائد الاقتصادية مقارنة بسائح عادي. إنه يمكث لفترة أطول، ينفق أكثر، يقدّر الحرف المحلية ويخلق وظائف نوعية.

    الأرقام التي تثبت الاستراتيجية

    البيانات الاقتصادية الكلية تؤكد هذا النجاح:

    متوسط الإنفاق: 650 إلى 680 دولاراً لكل زائر • المساهمة في الناتج المحلي: 7.3% (مقابل 6.8% في 2019) • الوظائف المباشرة: 827 ألف منصب نوعي • التصنيف العالمي: الوجهة الـ13 الأكثر ديناميكية

    المؤشر الأكثر دلالة؟ في أكتوبر 2025، كان المغرب قد تجاوز بالفعل إجمالي إيراداته السياحية لعام 2024 بأكمله. تسارع مذهل يصادق على صحة النموذج.

    مصر: نهج تكميلي

    تسلك مصر طريقاً مختلفاً لكنه بنفس القدر من الفعالية. مع 15.6 مليون زائر حتى أكتوبر ونمو بنسبة 21%، تعرض بلد الفراعنة صحة مزدهرة.

    وفقاً لتحليلاتنا في مكتب Elite Consulting باريس، من المتوقع أن تصل إيرادات مصر السياحية إلى 17-18 مليار دولار نهاية 2025، مقابل 15.3 مليار في 2024. افتتاح المتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر يمثل نقطة تحول كبرى، مع توقع 5 ملايين زائر سنوياً لهذا الموقع وحده.

    الاستراتيجية المصرية تفضل الوصول الميسر وتعميم الثقافة. منتجعات البحر الأحمر تسجل معدلات إشغال تتجاوز 90% في الموسم العالي. ألمانيا ترسل 2.9 مليون زائر، تليها المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا.

    وجهتان، فلسفتان، نجاحان مدويان.

    الركائز الثلاث للتحول المغربي

    الارتقاء المغربي يستند إلى بنية استراتيجية متطورة:

    1. عرض فندقي فاخر

    الرياضات الاستثنائية في المدن العتيقة، المخيمات الصحراوية الفاخرة في الصحراء، منتجعات الاستجمام في الأطلس أعادت تعريف الفخامة المغاربية. تتراوح أسعار هذه المنشآت بين 400 و2000 يورو لليلة الواحدة وتقدم تجارب غامرة لا تُنسى.

    2. ترابط جوي استراتيجي

    أكثر من 700 خط جوي دولي يربط المملكة بالأسواق ذات القدرة الشرائية العالية. خط أتلانتا-مراكش يفتح الوصول إلى 125 مدينة أمريكية. الوصلات تتكاثر من عواصم الخليج والمدن الأوروبية الثانوية ذات القدرة المالية القوية.

    3. توسع فندقي انتقائي

    الـ43 ألف غرفة جديدة المضافة منذ 2023 تستهدف بشكل أساسي الأربع والخمس نجوم. هذه الانتقائية تحافظ على التفرد وتتجنب فائض العرض المدمر للقيمة.

    الأثر المضاعف على الاقتصاد المحلي

    هذا النهج النوعي يروي كامل المنظومة. سجادة بربرية تُباع بـ200 يورو في السوق تصل إلى 1500-3000 يورو في رياض فاخر، وهامش الربح يعود مباشرة للحرفي.

    أصحاب المطاعم الراقية يفرضون 150-300 يورو للشخص الواحد لتجارب طهي مسرحية. المرشدون المتخصصون، مؤرخو الفن الناطقون بأربع لغات، يطلبون 500-800 يورو لليوم الواحد لجولات خاصة فائقة التخصيص.

    القطاع بأكمله يرتقي في الكفاءة والاحترافية والأجور. دائرة حميدة حيث التميز يولّد التميز.

    رؤية 2030: الطموح مستمر

    المملكة تستهدف 26 مليون زائر بحلول 2030. كأس العالم المنظمة بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال ستكون حافزاً كوكبياً.

    لكن أبعد من ذلك، المغرب يطور وجهات ناشئة. الداخلة تتموضع كعاصمة عالمية لرياضة ركوب الأمواج الشراعية. جبال الريف وواحات الجنوب الشرقي تتلقى استثمارات ضخمة لجذب زبائن أثرياء يبحثون عن الأصالة.

    ثلاثة دروس للصناعة العالمية

    هذا التحول يقدم دروساً ثمينة:

    الدرس الأول: النوعية تتفوق على الكمية. البندقية وبرشلونة وأمستردام تختنق تحت وطأة السياحة المفرطة. المغرب يتجنب هذا الفخ بإعطاء الأولوية للقيمة عمداً.

    الدرس الثاني: النمو والارتقاء يعززان بعضهما البعض. كل رياض فاخر جديد يعزز الصورة الراقية، جاذباً المزيد من الزبائن الأثرياء في دائرة حميدة.

    الدرس الثالث: كل وجهة يجب أن تجد نموذجها الفريد. المغرب يثبت أن النهج الراقي ناجح. مصر تبرهن أن استراتيجية الوصول الميسر تنجح بنفس القدر.

    الرسالة لصناع القرار

    للمدراء العامين للمنشآت الفاخرة والمستثمرين السياحيين، الخلاصة واضحة: التحول نحو الرقي ليس حكراً على الوجهات النخبوية تاريخياً.

    إنه خيار استراتيجي متاح لأي وجهة مستعدة للاستثمار في التميز والتدريب المستمر والابتكار التجريبي.

    مستقبل السياحة يُحدَّد بجودة التجربة وخلق القيمة المستدامة، لا بالتراكم العقيم للزوار. الوجهات التي ستفهم هذه المعادلة الجديدة ستزدهر. الأخرى ستنضم إلى مقبرة الوجهات ضحية نجاحها الكمي.

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن