إعادة إحياء اقتصاد المنصّات الرقمية عبر البيع المباشر المسؤول

  •  

    شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال سنة 2025 وضعاً اقتصادياً دقيقاً، حيث ظلّت معدلات بطالة الشباب مرتفعة، وأثقلت الضغوط التضخمية كاهل الأسر، وزادت حالة عدم اليقين من هشاشة المسارات المهنية. وفي مصر كما في الشرق الأوسط، يتجه عدد متزايد من الأفراد نحو أشكال عمل أكثر مرونة للحفاظ على استقلاليتهم المالية. وقد سرّعت الجائحة هذا التوجّه، وساهمت المنصّات الرقمية في استمراره، سواء في مجالات التوصيل أو النقل أو العمل الإبداعي المستقل. ومع ذلك، إلى جانب هذه التحولات الظاهرة، يبرز نموذج آخر أقل شهرة لكنه محوري في إعادة تشكيل سبل العيش، وهو البيع المباشر.

     

    غالباً ما يقع البيع المباشر ضحية للخلط وسوء الفهم، غير أنّ هذا النشاط المشروع، بما في ذلك ضمن نماذج التسويق الشبكي الأخلاقي، يستحق قراءة أكثر دقّة. فهو يندرج بالكامل ضمن منطق العمل الحر القائم على الاستقلالية والمرونة وانخفاض عتبة الولوج، وكل ذلك أصبح ممكناً بفضل الأدوات الرقمية المتاحة. في هذا النموذج، يعمل الموزعين كمستقلّين، ينمّون نشاطهم وفق وتيرة جهودهم، ويبنون تدريجياً قاعدة زبائن، وأحياناً شبكة توزيع، في إطار علاقة قائمة على الثقة.

     

    في مصر، تكتسي هذه الدينامية أهمية خاصة لأنها تفتح آفاقاً لفئات غالباً ما يتجاهلها سوق العمل الرسمي. فالانخراط في هذا النشاط لا يتطلّب رأس مال كبيراً، ولا شهادة، ولا محلاً تجارياً. كما أن مرونته الزمنية تجعله مناسباً للأمهات، والطلبة، والأشخاص الذين يتحمّلون مسؤوليات متعددة. والأهم من ذلك، أنّ البيع المباشر يمكن أن يتحول إلى مدرسة حقيقية لاكتساب المهارات، مثل روح المبادرة، والتحكم في الأدوات الرقمية، وتطوير القدرة على التواصل وبناء العلاقات.

     

    ولا يقتصر هذا التوجه على مصر أو المنطقة، بل يُعدّ ظاهرة عالمية. فبحسب الاتحاد العالمي لجمعيات البيع المباشر، يشتغل في هذا القطاع حوالي 114 مليون شخص، بإجمالي مبيعات بلغ 167.6 مليار دولار سنة 2023. وفي إفريقيا، كانت الدينامية قوية إلى درجة وصفها بأنها مجال استراتيجي جديد، مدفوع بانتشار الهواتف الذكية، وثقافة القرب الاجتماعي، وصعود المبادرات الصغرى. وقد سجّل الاتحاد سنة 2020 ارتفاعاً بنسبة 11.6 في المئة في حجم المبيعات على مستوى القارة.

     

    في هذا السياق، يمكن للّبيع المباشر أن يلعب دوراً تكميلياً وعملياً إلى جانب اقتصاد المنصّات الرقمية في مصر، حيث يصبح التحدي ليس فقط خلق فرص جديدة، بل توفير مسارات نحو عمل مستقل أكثر تنظيماً وشفافية وتأطيراً. وعندما يقوم البيع المباشر على منتجات حقيقية، وعلاقة صحية ومستدامة مع الزبون، فإنه قادر على توفير هذا الإطار.

     

    وقد أثبتت الشركات العالمية الرائدة، مثل كيونت، منذ سنوات طويلة، أن نموذجاً قائماً على القرب والتكوين والاستمرارية قادر على تحويل نشاط مرن إلى رافعة حقيقية للاستقلالية الاقتصادية. وفي مصر، تعتمد بعض الفاعلين، مقاربة ترتكز على قيمة المنتج، وجودة تجربة الزبون، ونظام تعويض مبني على الأداء الفعلي، بعيداً عن الوعود المبالغ فيها. وعلى أرض الواقع، مكّن هذا التوجه مئات الأشخاص، خصوصاً النساء والشباب الباحثين عن فرصة، من إطلاق نشاطهم تدريجياً من منازلهم، مستفيدين من مواكبة وأدوات تظل نادرة في العديد من مسارات العمل الذاتي.

     

    ولتحرير الإمكانات الكاملة لهذا القطاع، تبرز أولوية أساسية تتمثل في توضيح الأطر القانونية، وحماية المستهلك، والتمييز بين الممارسات المشروعة والاحتيالية، وتعزيز الولوج إلى التكوين والشمول المالي. وعند توفر هذه الشروط، يمكن للّبيع المباشر المسؤول أن يرسخ مكانته كمسار واقعي وواعد لمستقبل العمل في مصر.

     

    السيرة المختصرة: هند الصالح

     

    الدكتورة هند صالح رائدة أعمال مغربية شغوفة بتعزيز ريادة الأعمال داخل الجامعات وببناء منظومات ابتكار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهي المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمعهد ABCURR لريادة الأعمال، وهو مؤسسة رائدة تدعم الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في انتقالها نحو اقتصاد قائم على المعرفة. ومن خلال برامج متخصصة في تعليم ريادة الأعمال، والاحتضان، والتعلم التطبيقي، يساهم المعهد في تمكين الطلبة من ابتكار حلول مستدامة ذات أثر اقتصادي واجتماعي وبيئي.

     

    كما شاركت الدكتورة هند صالح في تأسيس OPCURR، وهو سوق رقمي يربط الشركات الناشئة المبتكرة بالخبراء المؤهلين. وتعتمد هذه المنصة على خوارزميات ذكية لمواءمة احتياجات رواد الأعمال مع مهارات المختصين، بما يعزز الثقة، والوضوح، والتعاون الفعّال داخل الاقتصاد الرقمي.

     

    تحمل الدكتورة هند صالح دكتوراه في إدارة الأعمال من الجامعة الدولية في موناكو، وماجستير إدارة الأعمال في ريادة الأعمال من مدرسة EDHEC للأعمال، إضافة إلى شهادات في التفكير التصميمي من جامعة ستانفورد، وفي تطوير البرمجيات من جامعة الدومينيكان بكاليفورنيا. كما قامت بتدريس ريادة الأعمال الاجتماعية في جامعات بالإمارات وفرنسا والمغرب.

     

    وإلى جانب مسارها الأكاديمي والمهني، تلتزم الدكتورة هند صالح بدعم وتمكين الشباب، حيث تنشط كمستثمرة ملاك وتساند المبادرات التي تلهم الجيل الجديد من رواد الأعمال، خاصة في المغرب. وفي سنة 2020، شاركت في الموسم الأول من البرنامج التلفزيوني المغربي "من سيستثمر في مشروعي؟" على قناة 2M، حيث استثمرت في شركات ناشئة واعدة، في تجسيد عملي لالتزامها بريادة الأعمال ذات الأثر.

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن