ناسداك 100 بين التيسير النقدي وضعف سوق العمل: ومستقبل قطاع التكنولوجيا

  • بقلم: رانيا جول

     كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

     

    إن وضع مؤشر ناسداك 100 الحالي يعكس حالة من التوازن المربك بين آمال التيسير النقدي ومخاوف التباطؤ الاقتصادي. فالعقود الآجلة تشير إلى مكاسب طفيفة، حيث ارتفع ناسداك 0.12%، وهي إشارة على أن السيولة ما تزال تتدفق باتجاه أسهم التكنولوجيا، لكن بوتيرة حذرة للغاية. وهذا السلوك يوحي بأن المستثمرين يراهنون على خفض أسعار الفائدة أكثر مما يراهنون على تحسن جوهري في الأساسيات الاقتصادية. وبرأيي، هذا التباين يضع المؤشر أمام اختبار صعب، لأن أي انعكاس في توقعات الفيدرالي قد يقود إلى موجة تصحيح حادة.

    وأرى أن الأسواق الأميركية وصلت إلى مستويات قياسية أشبه بالمنطقة الرمادية، حيث لا يمكن وصفها بالفقاعة الصريحة ولا بالاستقرار المتين. فضعف بيانات سوق العمل يفتح الباب لخفض الفائدة، لكن في الوقت نفسه يعكس هشاشة النمو. وفي رأيي، إن اعتماد الأسواق على "الضعف الاقتصادي كعامل صعودي" يعد تناقضاً خطيراً، لأن هذه الديناميكية لا يمكن أن تستمر طويلاً. بعد أن جاءت بيانات مراجعة الرواتب لتؤكد فقدان مليون وظيفة كما هو متوقع، سأعتبر ذلك إشارة واضحة على أن الاحتياطي الفيدرالي تأخر في الاستجابة، وقد يضطر لتعويض الفجوة بخطوات أكثر جرأة، وهو ما قد يرفع ناسداك سريعاً لكنه سيضعف الثقة بالاقتصاد على المدى المتوسط.

    ومن وجهة نظري، أي خفض للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر سيكون خطوة محسوبة، لكنه لن يغير واقع أن سوق العمل يفقد زخمه. أما إذا لجأ الفيدرالي إلى خفض بمقدار 50 نقطة أساس، فسيكون ذلك بمثابة إشارة استغاثة، وسيفسر السوق القرار على أنه اعتراف رسمي بأزمة عميقة. وهذا السيناريو قد يدفع ناسداك إلى قفزة قياسية جديدة، لكنني أعتقد أن هذه القفزة ستكون أشبه بمكسب قصير الأمد، يتبعه تراجع عنيف بمجرد أن تستوعب الأسواق حجم التباطؤ.

    وبالنسبة للشركات، أرى أن المشهد متباين بوضوح. إنفيديا وأبل تعانيان من ضغوط واضحة، فيما تستفيد تسلا وبرودكوم من عوامل خاصة. وهذا التباين يثبت أن صعود ناسداك لم يعد جماعياً كما كان في 2023 و2024، بل أصبح انتقائياً إلى حد كبير. ومن تجربتي، حين يتحول الأداء من جماعي إلى انتقائي، فإن ذلك يكون عادة مؤشراً مبكراً على تباطؤ الدورة الصعودية للمؤشر. لذلك أعتقد أن على المستثمرين التركيز على الشركات ذات الأساسيات القوية والابتكارات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والبنية التحتية التكنولوجية، لا على المؤشر ككل.

    أما فيما يتعلق بالسلع، فأرى أن ارتفاع الذهب إلى مستويات قياسية يتجاوز 3600 دولار يعد انعكاساً مباشراً لفقدان الثقة في استدامة النمو الأميركي. وتاريخياً، الذهب لا يقفز بهذا الشكل إلا حين تتزايد رهانات التيسير النقدي على خلفية ضعف اقتصادي ملموس. في المقابل، فإن صعود النفط لليوم الثالث على التوالي يذكرنا بأن الضغوط التضخمية قد تعود في أي لحظة، مما يعني أن الفيدرالي لا يملك رفاهية التوسع في الخفض دون حسابات دقيقة. لذلك، وبرأيي، من الخطأ أن يتعامل المستثمرون مع خفض الفائدة وكأنه رهان مضمون على المدى الطويل.

    وفي سوق العملات، أرى أن تراجع الدولار أمام معظم العملات يعزز من شهية المخاطرة في الأجل القصير، لكنه لا يلغي المخاطر. الين الياباني المتراجع بفعل الاستقالة السياسية يؤكد أن العوامل الجيوسياسية يمكن أن تضيف طبقة أخرى من التقلبات. أما البيتكوين الذي يستقر فوق 110 آلاف دولار دون اختراق مقاومات أساسية، فأعتبره دليلاً على أن المستثمرين يفضلون الأصول التقليدية مثل الذهب والأسهم، بدلاً من الانزلاق نحو المخاطر المفرطة. وهذا يعزز رؤيتي بأن ناسداك يظل في موقع قوة نسبية، لكن ضمن حدود زمنية ضيقة.

    وفي النهاية، أرى أن مستقبل ناسداك 100 يتوقف على مزيج دقيق من السياسة النقدية ومرونة قطاع التكنولوجيا. وإذا استمر الفيدرالي في تلبية توقعات السوق بخفض تدريجي، مع بقاء التضخم تحت السيطرة، فقد يتمكن المؤشر من تحقيق قمم جديدة. لكن إذا أثبتت البيانات أن ضعف سوق العمل أعمق مما هو متوقع، فإن هذا الصعود سيتحول سريعاً إلى عبء على المستثمرين. ورأيي الشخصي أن المؤشر سيظل في اتجاه صاعد خلال الأسابيع المقبلة، لكنه اتجاه محفوف بالمخاطر، وأي خيبة أمل في بيانات الوظائف أو مفاجأة تضخمية قد تعيد المؤشر إلى مستويات أقل بكثير مما يتوقعه المتداولون والمستثمرون حالياً.

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن