ما هي الاسرار وراء نمو النظام الداعم للابتكار في اسرائيل؟

  •        بقلم : د/ غادة عامر

    عندما تقرا كتاب قصة المعجزة الاقتصادية لإسرائيلالذي تم نشره عام 2009، و تقرأ الواقع الاسرائيلي ، تجد ان اسرائيل أدركت منذ بداية التفكير في انشائها كدولة، أن الابتكار هو المحرك الرئيسي للإنتاجية والنمو الاقتصادي والتنمية في اي مجتمع، و انه السبب الرئيسي لقوة و بقاء اي دولة مهما كانت ظروفها الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية، فدولة مثل اسرئيل كل عمرها لا يزيد عن70 عاما ويبلغ تعداد سكانها 7.1 مليون نسمة،و في حالة حرب مستمرة منذ تأسيسها، و دون موارد طبيعية، تمكنت من الوصول إلى نمو اقتصاديسريع و ثابت عن طريق وضع و تنفيذ استراتيجية لدعم البحث العلمي و التطوير و الابتكار، حيث انه في عام 2009 سجلت اسرائيلنحو 63 شركة ناشئةفي بورصة ناسداك،ايأكثر من الشركات الناشئة من الدول الكبيرة و التي تعيش حالة من السلم ، ومستقرة مثل اليابان والصين والهند وكوريا وكندا والمملكة المتحدة، وكما تعتبر اسرائيل من أعلى الدول من حيث مستوى رأس المال الاستثماري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.فما هي الاستراتيجية التي دعمت الابتكار و البحث العلمي و التطوير في اسرئيل لكي يكون داعم رئيسي للاقتصاد الاسرائيلي ؟ سوف اسرد في هذا المقال بعض هذة الاستراتيجيات.

     

    بلا شك لعبت السياسات الذكية للحكومات الاسرائيلية المتتالية دورا رئيسيا في تحفيز الابتكار. فمثلا اتخذت الحكومة الاسرائيلية قرارا استراتيجيا بتقديم الدعم المالي للبحث العلمي و الابتكار و التطوير في المجالات التجارية و الاقتصادية داخل و خارج الاطار الاكاديمي . و نتيجة للمصادر المفتوحه للابتكارات، تنبهت اسرئيل في أوائل التسعينيات الي أهمية دعم الابتكار في قطاع التكنولوجيا الفائقة، و كان هذا بداية وضع الاقتصاد الاسرائيلي علي المسار الصحيح، حيث ساعد الابتكار في قطاع التكنولوجيا الفائقة علي زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4٪ على الأقل سنويا. و دخول عدة ابتكارات اسرائيلية الي السوق العالمي ، منها ما هو متخصص في أجهزة الكمبيوتر والبرمجيات، و محركات الأقراص "فلاش ميموري"، والرسائل الفورية و منها ما هو متخصص في التقنيات الطبية والمستحضرات الصيدلانية، و غيرها. ومع الوقت نمت صناعات التكنولوجيا الفائقة و اصبحت تمثل ما يقرب من 50٪ من إجمالي الصادرات الصناعية الاسرائيلية، وفقا لبيانات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.و استمرت الحكومة الاسرائيلية في دعم الابتكار و البحث العلمي فزادت إنفاقها على البحث والتطوير بين عامي 1995 و 2004 من 2.7٪ إلى 4.6٪ (محسوبة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي) ، وهي نسبة أعلى من أي بلد في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.

     

    و لكي تمتلك اسرائيل رأس المال البشري المدرب، قامت بأدخال التدريب علي التكنولوجيات المتطورة في الخدمة العسكرية الإلزامية أوائل التسعينيات من القرن الماضي. فمثلا تجد ان القاسم المشترك بين شركات مثل أوتبرين، ستيليت، نيس، و كومفيرز، ان جميع مؤسسوهم خدموا في وحدة المخابرات الإسرائيلية المسؤولة عن جمع الاشارة الذكية وفك شفرة،الوحدة 8200.وعلى الرغم من أن الوحدة 8200 ربما كانت الحاضنة التكنولوجية الأكثر تأثيرا في إسرائيل، إلا أن قوة الدفاع الإسرائيلية ككل قد أنتجت عددا من الشركات التكنولوجية القوية.علاوة على ذلك، استقطبت اسرائيل ما يقرب من مليون مهاجر يهودى سوفيتى ممن يحملون الشهادات العليا في الهندسة و التكنولوجيا ، لكي يدعموا سوق العمل المحلي و ليقدموا المهارات العلمية و التكنولوجية الحديثة المطلوبة. و لإطلاق العنان للقدرات الابتكارية لهذا الرأسمال البشري قامة الحكومة بانشاء برنامج الحاضنات التكنولوجية في عام 1991، وذلك لتزويد هؤلاء المهاجرين المهرة بالتمويل و المعرفة الحديثة  ليصبحوا رواد أعمال ناجحين. ومنذ أن ظهرت أولى الشركات من برنامج الحاضنات في عام 1993، حصلت الحاضة علي 61 في المائة على تمويل من مستثمرين و الباقي  من الأنشطة التي توفرها الحاضة. وقد استثمر القطاع الخاص منذ ذلك الحين أكثر من 2.5 مليار دولار في خريجي الحاضنات، وفقا لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.

    و من أهم استراتيجيات سياسة الإبتكار الاسرائيلية هو برنامج المنح البحثية للعلماء. ويقوم هذا البرنامجبتحفيز الشركات لتقدم مقترحات البحث والتطوير التي تحتاجها إلى الباحثين و العلماء الاسرائليين، وتقدم الحكومة بالشراكة مع الشركات المنح المالية للباحثين على أساس تنافسي، حيث يتراوح التمويل ما بين 66 و 90 في المائة من تكاليف البحوث المشمولة.  و تكون اساس اختيار المقترح للتمويلالجدوى الاقتصادية و القيمة التكنولوجية والتجارية ونسبة المخاطر و قدرة المشروع علي بناء الخبرات و خلق فرص العمل. و لان هذة المشاريع يكون التمويل فيها عالي المخاطر، يتم الاتفاق مع المشاريع الناجحة انها يجب أن تسدد القرض عن طريق خصم نسبة صغيرة من المبيعات السنوية في حالة نجاحها.

    ايضا عملت الحكومة الاسرائيلية علي انشاء برنامج حكومياسمه " يوزما"، بميزانية قدرها 100 مليون دولار في عام 1993،هدفة صناعة رأس المال الاستثماري المخاطر في إسرائيل، حيث يقدم برنامج يوزما تمويل قد يصل الي 40% من الميزانية المطلوبة للشركة الابتكارية الناشئة ، أما الباقي التمويل فيأتي من مستثمرين أجانب يوفر لهم البرنامج ضمانات المخاطر حتي يشجعهم علي الاستثمار في تلك الشركات. و نتيجة هذا البرنامج ان تسع شركات من 15 شركة خرجت من البرنامج و تلقت استثمارات كبيرة و الباقي تم شرائه من قبل شركات كبري، و الاهم انه بعد 4 سنوات حصلت الحكومة علي تمويلها الاساسي الذي دفعته بالاضافة الي 50% فوائد المبلغ الذي استثمرته!!!



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن