أشياء يمكننا أن نتعلمها من البيتكوين

  •       بقلم د/ غادة عامر

    تصدرت كلمة "البيتكوين" عناوين الأخبار الاسابيع الماضية، و قد كتب بجانب هذة الكلمة "أن سعر الوحدة الواحدة منه وصل الي 17500 $ للمرة الأولى!" ، و ظل الكثير من عامة الناس يسألون ما هو البيتكوين و ما هي قصته، فقررت ان اكتب عن قصة خروجه للدنيا و تقديم شرح بسيط عنه و كيف يمكن لهذة القصة ان تعلمنا كيف يمكن ان يكون مستقبلالابتكار. لقد انشئت "البيتكوين" او كما يطلق عليها الان "العملة المشفرة" "cryptocurrency" عام 2008 ، حيث تم تسجيل اسم النطاق bitcoin.org بهدوء على الانترنت في أغسطس 2008، بعد شهرين، تم تمرير ورقة بعنوان "بيتكوين: نظام النقد الالكتروني الند - للند" علي قائمة بريدية مشفرة، وقد كانت الورقة من شخصية غامضة (قد تكون هي او هو)  اطلقت علي نفسها اسم "ساتوشي ناكاموتو". بعد ذلك قامت هذة الشخصة الغامضة -تحديدا في في يناير 2009- بتحميل البرامج الخاص بالبيتكوين على مصدر مفتوح. و أخذت تتحدث مع العالم عن هذا المشروع و فوائدة و انه الثروة القادمة، لكن بحلول نهاية عام 2010 توقفت عن تواصلها مع العالم، بل و كان اخر تواصل لها مع العالم و في أبريل 2011. و منذ ذلك الحين لم يستمع أحد عنها و لا منها!

    لن اتطرق الي الغموض الذي يحيط باسم "ساتوشي ناكاموتو"، لان هذا يكتب فيه مقالات اخري. لذى سوف أعود للبيتكوين، ان البيتكوين أو العملة المشفرة عبارة عن عملة رقمية تستخدم علم التشفير-  لذلك صعب أن تزيف - بغرض أمني لحماية التعاملات الافتراضية والتحكم بإنشاء وحدات جديدة، وتعتبر وسيط للتبادل الأفتراضي (الكترونيا) وأيضا فرعا من العملة البديلة، أن البيتكوين هي اول عملة مشفرة و بعدها خرجت عملات مشفرة اخري مثل لايت كوين - Litecoinو نيم كوينNamecoin، وقد كونت هذة العملات المشفرة نظام بيئي بمليارات الدولارات، وجذبت مئات الشركات الناشئة وأكثر من 100 مليون دولار في استثمارات متنوعه. ولهذة العملة المشفرة مميزات عديدة ، أهمها علي الاطلاق أنها ليس لديها سلطة مركزية (أي وسيط متحكم) علي عكس نظام العملة الإلكترونية مثل موقع"Pay Pal"

    إن عملیات العملة المشفرة ھي بلا شك في حد ذاتها ابتكار في سیاق المدفوعات، وهي أيضا توفر- لمن يريد ان يدخل عالم الابتكار و ريادة الاعمال-  بعض الدروس ذات الأهمية التي يتجاوز نطاق العالم المالي بكثير. لذلك سوف اسرد بعضها هنا: أن النمو الذي حدث للعلمة المشفرة يمكن أن يعلمنا ما هو مستقبل الابتكار. اولا: استخدم مشروع البيتكوين الثقة اللامركزية في المقام الأول لتسهيل المعاملات المالية، و بالتالي خلق فكرة الثقة الا مركزية -على الرغم من أنه لا يوجد كيان واحد في الشبكة موثوق به- وهذا يلغي الافتراض التقليدي بأن الثقة تحتاج إلى التدفق من مصدر مركزي واحد. و فكرة الغاء المركزية يمكن استغلالها لتحسين إدارة الحقوق الرقمية للأغاني والأفلام والمحتوى الإبداعي الآخر. وقد يؤدي ذلك إلى تمكين الفنانين الراغبين في السماح لمعجبيهم بإعادة بيع الأعمال الرقمية للقيام بذلك بدون إنشاء وإدارة البنية التحتية للتعامل مع التحويلات الرقمية، ودون الحاجة إلى أن يظل المعجبون ضمن شبكة مزود محتوى واحد.

    ثانيا: علمنا البيتكوين أن الابتكار يمكن أن يكون لامركزيا ايضا، فنحن لا نعرف أين الشخص أو الأشخاص الذين أنشؤا البيتكوين، فلا توجد شركة واحدة أو منطقة جغرافية يمكن أن تدعي امتلاك فضاء العملات المشفرة، فالنظام الإيكولوجي للعملات المشفرة يحتوي على مئات الشركات من قارات مختلفة تساهم بأفكار ومنتجات وخدمات ومنصات جديدة وبشكل يومي تقريبا. ثالثا: و من وجهة نظري ان اهم شيئ يمكننا ان نتعلمة من قصة نجاح البيتكوين، هو انه يمكن أن يكون للنشر الذاتي للورقة العلمية المبتكرة على شبكة الإنترنت أثر هائل. ففي بيئة الجامعة -حيث أعمل انا- غالبا ما يكون الافتراض أن الأوراق الجديرة هي التي تتم من خلال عملية مقارنات و تحكيم معقدة (وهذا مهم في كل المجالات الا في التكنولوجيا) ، لان هذا يعني سنوات من التأخير، والتأخير الذي ينطوي عليها النشر الأكاديمي التقليدي يمكن ان تتسبب في قتل تنفيذ الافكار الابتكارية لانها ممكن ان لا تفهم من قبل المحكمين او ان يمر وقت كبير الي ان تحكم و بالتالي تفقد اهمية ظهورها.

    تعالوا ان نفترض سيناريو لو أن ساتوشي ناكاموتو قد حاولت او حاول نشر ورقة البيتكوين من خلال مجلة أكاديمية تقليدية،  أولا، من المؤكد أن الورقة سترفض مباشرة، لأن عدد قليل من المجلات مستعدة للنظر في الأوراق من قبل المؤلفين المستعارين. ثانيا، حتى لو كان يمكن التغلب على هذه العقبة، كان من المرجح أن يكون المراجعون قد رأوا (على نحو غير صحيح، كما نعلم الآن) أن الثقة اللامركزية لا يمكن أن تعمل (لان هذا ابتكار لم يسمعوا عنه من قبل و خارج نطاق التفكير التقليدي)، لا سيما عندما تكون هناك مليارات الدولارات من الأصول المعرضة للخطر. و ربما كان ناكاموتو قد أجبر على الخضوع لسنوات طويلة من الاستعراضات، والمراجعات والمراجعات، بعد ذلك ربما اتهم بالجنون من قبل بعض المحكمين!!

    لكن وبالنظر في ما حدث فعلا: نشر ناكاموتو الورقة في أواخر عام  2008علي قائمة بريدية، و في يناير 2009، خرجت شبكة بيتكوين وتم تشغيلها، وفي غضون سنوات قليلة أصبحت الفكرة معترف بها على نطاق واسع باعتبارها واحدة من التطورات الأكثر إثارة للاهتمام والمبتكرة في تاريخ تكنولوجيا المدفوعات!!!!

     

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن