كيف ينجح الابتكار الوطني ، و مازال مغني الحي لا يطرب أهله؟

  •        بقلم : د / غادة عامر

     

    يعاني  الابتكار الوطني خاصة و المنتج المحلي عامةمن مشاكل جمه في أغلب البلدان العربية، لعل أبرزها هو عدم وجود اسواق لهم او بمعني اخر عدم قبول السوق المحلي لهم، ان مشكلة عدم وجود سوق للابتكارات العربية ، تقلل من فرصتنا في امتلاك المعرفة و تزيد من احتلالنا اقتصاديا و فكريا، و تقلل بشكل خطير فرصتنا من خلق فرص عمل نوعية لابنائنا، و الاهم تقلل من فرصتنا في الحفاظ علي عقولنا و مقدراتنا و بالتالي اوطاننا. و رغم انه في مصر خرج قانون يمكنه ان يحفز نشر المنتج الوطني و يدعمه بشكل يساعد من تطويرة ، قانون رقم 5 لسنة 2015، الخاص بمنح أفضلية للمنتجات المحلية في العقود والمشتريات الحكومية عن مثيلاتها المستوردة من أجل تنشيط وتحفيز المنتج المحلي في مواجهة البدائل الأجنبية، الا ان هذا القانون لم يفعل بشكل المطلوب الي يومنا هذا!

    أن اسباب عدم تقبل السوق للابتكارت عديدة، منها ان يكون المبتكر لم يبني ابتكاره علي احتياج السوق المحلي، أو لم يعمل دراسة للسوق صحيحة (و هنا اتكلم عن الابتكار و ليس مجرد الافكار او الاختراعات)، و منها ان تكون كفاءة المنتج غير عالية، لكن في معظم الاحيان يكون عدم تقبل الابتكار الوطني ، بسبب ثقافة المجتمع تجاه كل ما هو محلي ، لاننا للاسف تربينا علي عقدة المستورد (عقدة الخواجة)، فتجد البعض منا يقيس قيمة الشخص ، ليس بعلمة و لا بأخلاقة ، و انما بالماركات المستورة التي يلبسها او يحملها معه، حتي ان حكوماتنا تختار مستشاريها و خبرائها من الخارج ، حتي لو كان بين مواطنيها من هم أكفء من الخواجة، لكن لا ، حتي يقول علينا العالم اننا لدينا خبراء اجانب، وحتي لو جروا البلد الي مصيبة ( لانها ليست بلدهم) لكننا عندنا عقدة اسمها المستورد !!!

    و لن اطيل في هذا الامر ، لاني لو كتبت فية سوف احتاج الي 10 مقالات لافرغ غضبي من تمجيد كل ما هو ليس مننا، سوف اعود لأتكلم عن اكبر سبب من وجهة نظري ، في عدم وجود سوق لابتكاراتنا الوطنية، و هو قصور الحكومات، فمثلا لم تنجح الحكومات الي الان في سد الفجوة بين البحوث التي تجرى في الجامعات والمراكز البحثية، وبين تطبيق هذه الابحاث في المجالات الصناعية، و لم تستطيع الحكومات علي اجبار السوق المحلي بتقبل الابتكار الوطني، و لم تتمكن من عمل النظام البيئي المتكامل الذي يحمي الابتكار و المنتج الجيد و يطرد الابتكار او المنتج الرديئ !

     نعم أن الحكومات العربية تطلق مبادرات و خطط كثيرة لدعم ريادة الاعمال و الابتكار الوطني، نعم دائما ما تنادي بالجمع بين المنظمات و الهيئات المختلفة لتقديم أفكار مبتكرة لمساعدة الحكومة على إيجاد حلول خارج الصندوق، وهذه فكرة رائعة لو طبقت مخرجاتها، ولكن واقع التنفيذ بدلا من ذلك معزز بحقيقة مؤسفة هي أن الحكومة تكافح بشدة اي تغير.إن ما يعتقده كبار رجال الحكومهأنهم يقدمون كل الدعم للابتكار الوطني و ريادة الاعمال عن طريق البرامج المختلفة،يقف على خلاف حاد للغاية مع تقارير المبتكرين والمنظمات غير الحكومية التي تعمل في هذا المجال على أرض الواقع، لانها التي تتفاعل مباشرة مع تلك البرامج الحكومية.و هذا الاختلاف اما بسبب ان ما ينقل لصناع القرار مختلف تماما عن الواقع، او ان صناع القرار يتجاهلون البيانات التي تقدم لهم، او ان البيانات التي تعكس الواقع لهم بشفافية يتم تجاهلها إذا لم تتفق مع وجهات النظر الشخصية لصانعي القرار، فللاسف هناك مسؤولين حكوميين ينظر الي الافكار الجديدة او الابتكارات او اصحابها علي انها تمثل تهديد لحياتهم المهنية!!!

    و كثيرا ما نجد ان من يتعامل مع ملف الابتكارات و ريادة الاعمال في القطاعات الحكومية،  موظفون تم جلبهم من قطاعات مختلفة (دون اي سابق معرفة لا بالابتكار و لا بريادة الاعمال ) لملئ هذا القطاع، ولعل الدرس الأهم الذي فشلت الحكومات في تعلمه هو أن الابتكار نادرا ما يأتي في شكل أوامر من أعلى إلى أسفل او من كبار الموظفين اصحاب البيروقراطية العالية، بل يأتي الابتكار في كثير من الأحيان من مصادر تعيش الواقع و تتفاعل معه في اسفل الهرم.

    و اذا ارادت الحكومات دعم الابتكار المحلي حقا، عليها الاقتداء بتجربة النمور الأسيوية التي حققت طفرة اقتصاديه غير مسبوقة، بعد أن دعمت الابتكار الوطني و فتحت السوق له، و ربطت بين مراكز البحث في بلدانها وحاجات السوق والصناعات المحليه، بأن فرضت علي الحكومه و القطاع الخاص و المصنعين بأن يقدموا جميع المشاكل التي تقابلهم الي الجامعات والمراكز البحثية لحلها بشكل علمي ، و بعد ان جعلت نظام الترقية في الجامعات علي اساس حل هذة المشاكل ، و بعد ان فرضت علي المجتمع شراء الابتكار المحلي، و فرضت علي المبتكر ان يطور و يعدل من كفاءة منتجة و من سعرة و من خدمات ما بعد البيع، و جعلت من اقتناء المنتج المحلي فخر وقيمة وان كل ما صنع في وطنهم هو الافضل و له الافضلية في الاقتناء.

     فهل سياتي اليوم الذي سوف نكون مثلهم، و يطربنا مغني الحي؟!

     

     

     

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن