كيف تفكر خارج الصندوق دون ان تضل الطريق؟

  •      بقلم : د/ غادة عامر

    لطالما كنت مقتنعة ان القيود و الديكتاتورية هي السبب في قتل القدرة علي الابتكار، لأنه كان يصور لنا ان سبب تفوق الغرب و خاصة الولايات المتحدة  الامريكية في عدد الابتكارات و امتلاك التكنولوجيا هو عدم و جود قيود، و ان هناك حرية مطلقة كما يصورها لنا الاعلام و خاصة الأفلام الامريكية، و كان دائما يحيرني ان الصين دولة ليست فيها حريات فقد خرج تقرير هيومن رايتس ووتش لعام 2017 وقد كتب فيه نصا عن وضع الحريات في الصين" بعد أكثر من 3 عقود من تعهد "الحزب الشيوعي الصيني بالإصلاح والانفتاح ، لا توجد أدلّة كثيرة على عزم الحزب على تغيير موقفه الاستبدادي. في ظل قيادة الرئيس شي جين بينغ، الباقي في السلطة حتى 2022 وربما أكثر، لا تزال فرص كفالة حقوق الإنسان الأساسية، مثل حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات والدين، هزيلة للغاية"، ورغم هذا الحكم الاستبدادي الصين تنافس الان الولايات المتحدة الامريكية في مؤشر الابتكار وامتلاك المعرفة!

    لذلك قررت ان ابحث في الامر، و فعلا وجدت ان القيود ليس دائما عدوا للابتكار، بل انها في أحيانا كثيرة تجعله اكثر فاعلية، و خاصة في المجتمعات التي تبدأ الخطوات الاولي لتكون مجتمعات مبتكرة كما هو الحال في منطقتنا، فمثلا نحن نسمع كثيرا جملة " فكر خارج الصندوق"، فيتقد البعض ان التفكير خارج الصندوق يعني التحرر من القيود و الضوابط في التفكير، مع ان معظم المبتكرين العظماء أمثال تسلا و نيوتن و فراداي و غيرهم، ادركوا و اكدوا ان القيود تحفز بل و توجه الابتكار (و هنا لا أتكلم عن البيروقراطية) ، لان محاولة الابتكار بلا قيود تثقل كاهل من يريد ان يبتكر بالخيارات، و تجعله يتجاهل الممارسات الراسخة و الاكيدة لنجاح تحويل فكرته الي ابتكار. وهذا ما يحدث الان في حكومات كثيرة في وطنا العربي، الكل ينادي بالبرامج والممارسات المعززة للابتكار، لكن دون وجود مبادئ توجيهية لتنظيم عمل تلك الممارسات لضمان نجاحها، وتكون المحصلة عدم وجود نظام بيئي متكامل ينظم ويوجه الأفكار، وبالتالي عدم تحول أي فكره الي ابتكار لأنها دائما بعيدة عن ارض الواقع ولا تقنع لا المستثمرين ولا أصحاب المصلحة ولا حتى الحكومة التي تنادي بالابتكار الوطني!

    فكيف يمكن، اذن، ان تتبني الحكومات نهجا أكثر انضباطا يضمن نجاح الابتكار كما فعلت الصين وكوريا الشمالية؟، ان النهج الذي اتبعته الصين مثلا هو تطبيق بعض القواعد البسيطة على الخطوات الرئيسية في عمليه الابتكار. قواعد بسيطة لعمل بنية كافية لمساعده الحكومات على تجنب البيروقراطية الخانقة او فوضى وعشوائيات الأفكار، بحيث يمكن للأفراد داخل تلك الحكومات ان يوجهوا الي المسار الذي يجعل الابتكار قابل للتنفيذ والتحول الي السوق وبقوة. فنعم يفكروا خارج الصندوق لكن مع عمل فضاء خارجي يضمن لا ان تفلت الفكرة الى عالم الا شيء.  وهذه القواعد البسيطة بالتأكيد لن تضمن نجاح الفكرة من اول مره، لان الابتكار يخلق منتجات او عمليات او نماذج أعمال جديدة لابد ان يكون لها قيمة اقتصادية، فيحتاج الي التجريب والفشل عدة مرات، وبل سوف يكون دور هذه القواعد هو إضافة الانضباط في عملية التجريب وتعزيز كفاءة الابتكار وبالتالي زيادة احتمالات نجاحه.

    وبالتأكيد الابتكار الذي أتكلم عنه هو ليس الاختراقات، لكن الابتكار الذي يبني على ما سبق، لان الاختراقات لها أسلوب تعامل اخر فهي تأتي بظروف خاصة يكون أهمها اما الحاجة او الشغف الداخلي للمبتكر وتكون بيئتها مختلفة حسب الحالة الي تخلق فيها. بالنسبة للعديد من الشركات الناجحة يكون الابتكار ناتج عن التطوير الدائم في المنتجات او نماذج الاعمال لضمان امتلاك السوق، و هذا ما تفعله الصين علي مستوي الدولة، فالصين تعتمد علي التطوير و تقديم كل شيء بإضافة ميزة نسبية الية كل فترة و حسب احتياجات السوق الذي سوف تنزل فيه، و هذا النوع من الابتكار يؤدي مع الوقت الي نوع من الابتكارات الجزية او التحولية ، ان هذه القواعد يمكن تلخيصها في اربع قواعد تقوم بها الشركات العالمية و مره اخري قد قامت بها الصين، أولا ان تكون تلك القواعد قليله مما يجعلها واضحة للتذكر والتواصل والاستخدام،  كما انها تجعل من السهل علي المستثمرين و الممولين وصف أنواع الابتكارات التي من المرجح ان يتم اختيارها و أنواع الابتكارات التي صعب تبنيها. وهذا بدوره يضع محددات لما يجب ان يركز عليه أصحاب الأفكار لتقبل أفكارهم. ثانيا تكون تلك القواعد البسيطة فعالة وقابلة للتطبيق ومعرفة لكل الأنشطة والقرارات، وذلك للتأكد من أن من سوف ينفذ تلك القواعد لدية قدرات مختلفة عن الموظفين الاعتيادين، فيجب ان يكون لدية مرونة وقدرة على التشجيع ومعرفة كاملة بمعني الابتكار وما هي دورة حياته وطبيعة التعامل مع أصحاب الأفكار الإبداعية. ثالثا لابد ان تكون تلك القواعد تناسب ثقافة واستراتيجية الدولة او المنظمة التي تطبق فيها، أي لا يتم زرع قواعد من دول ناجحة دون عمل إحلال لها وتطبيقها على واقعنا وثقافتنا وعادتنا كما يحدث دائما ويفشل تطبيقها، لأنها ليست مناسبة لتربتنا. واخر قاعدة هي ان تكون هذه القواعد فقط للتوجيه وان تترك مجال واسع وفسيح للتحرر في الإطار والابداع الهادف.

    الخلاصة انه يمكن للقواعد البسيطة ان تحقق الانضباط في عملية الابتكار عن طريق توفير مستوي اولي من التوجيه، مع ترك المجال واسعا للإبداع والمبادرة.    

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن