تدريس اللغة العربية في مدارس فرنسا.. وكجزء من سياسة" الاعتراف "

  • كتب : محمد شوقي

    بعد تقديم مشروع قانون "احترام مبادئ الجمهورية"،الذي كان يحمل اسم "محاربة النزعة الانفصالية" سابقا، إلى مجلس الوزراء الفرنسي قبل أيام من قبل وزير الداخلية جيرالد دارمانين، والوزيرة المنتدبة المكلفة بالمواطنة، مارلين شيابا، سبب نص تعلم اللغة العربية في المدارس الفرنسية سجالا واسعا بين النخبة السياسية والمثقفين.

    وفي أول تصريح إعلامي له بشأن الموضوع، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في مقابلة على موقع Brut عبر الإنترنت، "إن فرنسا تعتبر محظوظة بالأشخاص الذين تتحدث أسرهم اللغة العربية في البيت".

    أضاف ماكرون أنه يرغب في أن يتمكن الشباب الذين يسعون إلى تعلم اللغة العربية من القيام بذلك في مدرسة الجمهورية كجزء من "سياسة الاعتراف".

    وفي تصريح للنائب البرلماني عن حزب "الجمهورية إلى الأمام"، برونو بونيل، لموقع سكاي نيوز عربية، أكد أن اللغة العربية تعتبر من اللغات الحية الجميلة التي يجب الاهتمام بها بشكل أكبر في فرنسا.

    وتابع: "لدينا الكثير من الشباب الذين يتحدثون اللغة العربية داخل بيوتهم لكون ثقافة الوالدين عربية، وما نسعى له هو مساعدتهم على تحسين لغتهم الأم لكن داخل المدرسة الفرنسية".

    وعن أسباب هذا التوجه الحكومي الجديد، يوضح النائب البرلماني "نحن نخشى من أن تكون بعض الأماكن الخاصة بتعليم اللغة العربية كالجمعيات وغيرها، أن تقدم أفكارا ذات نزعة انفصالية، وقد تستخدم تدريس العربية لنقل أفكار متطرفة عن الجمهورية مستوردة من خارج البلاد".

    حسم جدل 4 سنوات

    ويثار الجدل بشأن إصلاح تعليم اللغة العربية في المدرسة كان قد طرح أيضا في عام 2016، بعد أن تعرضت وزيرة التربية الوطنية آنذاك، نجاة فالو بلقاسم، إلى إهانات عنصرية على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أثارت الوزيرة غضب جزء من الطبقة السياسية، بسعيها إلى استبدال نظام الدورات الاختيارية باللغات الأجنبية "إلكو" التي يقدمها المدرسون القادمون من دول أخرى في إطار اتفاقيات ثنائية في التعليم الابتدائي، بأقسام دولية يدرس فيها مساعدون لغويون من التعليم الوطني.

    وفي رد على هذه الخطوة، اعتبرت أصوات اليمين أن "إدخال لغات المجتمع" في المناهج المدرسية، وتدريس اللغة العربية يمكن أن يقوض التماسك الوطني.

    وتعتبر التيارات اليمينية مشروع القانون في نصه الساعي إلى تقوية حضور اللغة العربية في المدراس، يسعى إلى تعريب فرنسا، كما يربطه البعض بالسماح بالتعليم الديني الإسلامي داخل مؤسسات الجمهورية الخاضعة لمبادئ العلمانية.

    ويرى آخرون أن أبناء المهاجرين هم فرنسيو المنشأ، يجب أن يتقنوا الفرنسية ويداولوا اللغة العربية في بيوتهم فقط.

    ومع بداية العام الجاري، أعلن الرئيس الفرنسي وقف نظام الدورات الاختيارية باللغات الأجنبية التي تخص 9 دول ممثلة في كل من الجزائر وكرواتيا وإسبانيا وإيطاليا والمغرب والبرتغال وصربيا وتونس وتركيا وتتعلق بحوالي 80 ألف طالب سنويًا.

    وعلل قراره بأن هذا النظام يساهم في قدوم المزيد من المدرسين الذين لا يتحدثون اللغة الفرنسية، ما يصعب التواصل معهم لمعرفة ما يقدمونه خلال دورات التكوين اللغوية.

    العربية في المدارس الفرنسية

    و"تصنف اللغة العربية داخل منظومة التعليم الفرنسي كلغة أجنبية ضمن لغة الأقليات رغم كونها لغة أكثر من 10 ملايين عربي ولغة دين 20 مليون مسلم يعيشون بأوروبا. ولأنها نشأت في بيئة غير أوروبية فهي لغة الأقلية رغم أن الناطقين بها أكثر من الناطقين بالهولندية"، بحسب مدير المركز العالمي للدراسات العربية في باريس والباحث الاكاديمي، يحيى الشيخ في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية.

    ويشرح الشيخ أنه إلى حدود 1986، كان عدد دارسي اللغة العربية في المؤسسات الفرنسية (الإعداديات والثانويات) 13 ألف تلميذ. ولم يكن هناك أي تعليم عربي في المدارس الأساسية.

    وابتداء من عام 2000 تقلص العدد إلى أقل من 7 آلاف تلميذ، وهو في تضاؤل كبير.

    وعن واقع وضع اللغة العربية حاليا، يؤكد الباحث الأكاديمي أنه تم إغلاق أقسام كثيرة لتعليم العربية داخل وزارة التعليم الفرنسية، وهناك جهات جغرافية كاملة لا تقترح إلا أقساما قليلة لهذا التعليم.

    كما أن الأكاديميات لم تفتح هذه السنة إلا أقساما قليلة في بعض الجهات، وهذا لم يمكن من تعويض ما أغلق.

    ويسترسل "لكن هناك معاهد التجارة الحرة التي تقترح دروسا في العربية تلبية لرغبة الطلبة الوافدين من شمال أفريقيا ومصر وسوريا ولبنان، ونلاحظ كذلك إقبالا كبيرا للفرنسيين على تعلم العربية بالمدارس التحضيرية والمعاهد العليا للتجارة وفي شعب المعهد الوطني للعلوم السياسية لأسباب مهنية".

    من جهة أخرى، يفيد الشيخ أنه حسب شهادات المفتشين فإن مدرسي العربية التابعين لوزارة التعليم الفرنسية لا يتجاوزون 300 أستاذ في كل التراب الوطني.

    أما فيما يخص مشروع القانون الجديد، فيعتبر الشيخ أن ربط تعلم اللغة العربية بمحاربة النزعة الانفصالية كما يقدمه الرئيس ماكرون قد يبدو في محله لأن الرئيس لا يرفض تعليم اللغة العربية، ولكنه يريد أن يضفي الشفافية على هذا التعليم الذي من شأنه أن يحفز التلاميذ على الدراسة داخل المؤسسات العمومية حيث الإمكانيات والجودة ووضوح البرامج والمناهج العلمية.

    لكن "الخطأ الكبير في فرنسا هو أنها تقرن اللغة العربية بالدين ولا تعتبرها لغة حية للتواصل والمعرفة، أضف إلى ذلك أن التيارات المعادية للعرب والمهاجرين المسلمين ترى في هذه اللغة تأكيدا للهوية الدينية وتعتبرها حاجزا ضد سياسة الادماج التي جربتها كل الحكومات"، بحسب الشيخ.

    ورغم كل الجدل الدائر حول لغة الضاد منذ سنوات، تلقى في التعليم الاعدادي والثانوي، حوالي 14 ألف تلميذ دروسًا في لغة الضاد في بداية العام الدراسي 2019، وذلك من إجمالي أكثر من 5.6 مليون طالب، وفقًا لأرقام وزارة التربية الوطنية.

    ومع أن الرقم يبقى ضئيلا إلا أنه يمثل زيادة مهمة، مقارنة بعام 2007 التي لم يتجاوز عدد دارسي اللغة العربية فيها 6512 طالبا، بحسب صحيفة لوموند.

    وقد جرى اختيار العربية لغة ثالثة في الثانوية، من قبل 3834 طالب في بداية العام الدراسي 2019، متخلفة كثيرًا عن اللغة الإيطالية (33969 طالبًا) أو الصينية (17463 طالبًا) ، وفقًا للبيانات المنشورة على الإنترنت من قبل وزارة التعليم.

     

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن