إعصار " كورونا" .. والاقتصاد العالمي

  •      بقلم : فريد شوقي

    رغم أنه من الصعب أن نحدد حجم الخسائر المالية التي سيتحملها الاقتصاد العالمي نتيجة تفشي جائحة كورونا " المستجد " إلا إن هناك العديد من المحاولات من جانب بعض المنظمات والهيئات الدولية والتي تجمع جميعها على تراجع معدلات نمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2020 وتزايد أعداد البطالة وتفاقم الآثار المجتمعية للوباء ما لم تتخذ الحكومات مجموعة من الإجراءات المتكاملة للحد من تداعيات "كورونا".

    وفي هذا الإطار نشرت شركة " ماكينزي للاستشارات الإدارية" تقريرًا بعنوان " الصحة العالمية والتعامل مع الأزمات " ، تحدثت فيه باستفاضة عن وباء " كوفيد _19 " الذي يجتاح العالم حاليًا وتأثيره على القطاعات الاقتصادية المختلفة ورؤيتها للخطوات التي على الحكومات اتباعها كي يبدأ التعافي الاقتصادي.

    وفيما يثار حول كيف أثرت الصحة على الاقتصاد يشير التقرير إلى تفشي جائحة كوفيد-19 يمثل تحديًا عالميًا. إذ يخاطر آلاف الأطباء وأفراد الأطقم الطبية بأرواحهم لمواجهته والحد من انتشاره، وتعمل الحكومات والشركات معًا لفهم هذا التحدي والتعامل معه لتوفير الدعم اللازم للضحايا وعائلاتهم والمجتمع بصفةٍ عامة وتطوير علاجات ولقاحات فعالة كما أضاف الوباء أكثر من 2.1 مليون شخص في جميع أنحاء العالم حتى الآن وهو ما يهدد بانهيار النظام الصحي في دولٍ عديدة. وفرضت الحكومات إجراءات صارمة لتنفيذ التباعد الاجتماعي والإغلاق في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والهند ودولٍ أخرى للحد من تفشي الفيروس ونجحت بعض الدول، مثل الصين، في السيطرة على الفيروس وبدأت في إعادة تشغيل عجلة الاقتصاد. لكن أوروبا والولايات المتحدة مثلًا ما زالتا تعانيان من معدل إصابات مرتفع.

    أوضح لدينا حاليًا نموذجان لطريقة التعامل مع الفيروس: النموذج الأول كوريا الجنوبية التي توسعت في إجراء الاختبارات وتتبع الحالات المصابة لمعرفة المخالطين لها وفرض حظر صحي إجباري عليهم فنجحت في الحد من تفشي الفيروس بصورةٍ كبيرة، أما النموذج الثاني فهو إيطاليا التي تأخرت في تنفيذ إجراءات الإغلاق ولم تتوسع في إجراء الاختبارات بين الحالات غير الخطيرة وهو ما يفسر التفشي الكبير للفيروس فيها حاليًا.

    ويحتاج المسئولون عن الاقتصاد في هذه الفترة إلى الإجابة عن ثلاثة أسئلة: أولها عن درجة تأثر القطاعات الاقتصادية المختلفة بالأزمة الحالية ويمكن الإجابة عن هذا السؤال من خلال عدة نقاط، مثل مدى التأخر في فرض إجراءات التباعد الاجتماعي وعدد الإصابات ومدى انتشارها على مستوى الدولة، أما السؤال الثاني فهو عن المدة التي ستستغرقها الأزمة الحالية ويمكن الإجابة عنها من خلال عدة نقاط، منها معدل تناقص الحالات ووجود دليل على اتباع الفيروس لنمط موسمي ونسبة الحالات التي تعالج في المنزل بالنسبة لإجمالي عدد الحالات. أما السؤال الثالث عن الفترة التي سيستغرقها التعافي فيمكن الإجابة عنه من خلال عدة نقاط، منها مدى فعالية دمج الإجراءات الصحية مع النشاط الاقتصادي، مثل إجراء فحوص مخبرية للمسافرين قبل الرحلات الجوية والإجراءات التي نفذها القطاعين العام والخاص خلال الوباء.

    وفيما يتعلق بأبرز القطاعات تأثرًا ذكرت شركة " ماكينزي"  في تقريرها أن قطاع الشحن الجوي يأتي في مقدمة القطاعات التي تأثرت بسبب وباء " كوفيد-19 " بسبب تعليق الرحلات الجوية بين أغلب دول العالم لأن أغلب مناطق الإنتاج وسلاسل الإمداد تأثرت بالفيروس مما أدى إلى خسارة هذه الشركات لجزء كبير من إيراداتها في الوقت الذي توجد فيه التزامات مادية ثابتة على الشركات الوفاء بها. وقد يحتاج هذا القطاع إلى أعوام حتى يستعيد عافيته من تأثيرات هذه الأزمة.

    ونوه التقرير لتأثر قطاع السفر والرحلات الجوية بسبب هذه الأزمة بصورة كبيرة جدًا نتيجة لفرض أغلب دول العالم قيودًا على السفر والرحلات الدولية وإجراءات الحجر الصحي. ويعادل الضرر الذي لحق بهذا القطاع نحو 5-6 أضعاف الضرر الذي لحق به بعد أحداث 11 سبتمبر. ويتوقع أن تبدأ الرحلات الداخلية في التعافي خلال 6- 9  أشهر أما الرحلات الدولية فقد تستغرق أكثر من 18 شهرًا كي تبدأ في التعافي.

    كما تأثر أيضًا قطاع التأمين، خاصةً التأمين على الحياة والصحة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتراجعت أيضًا أسعار الفائدة وفرص الاستثمار مما قلل العوائد بصورةٍ كبيرة.

    ولم يسلم قطاع النفط والغاز من الأزمة فتراجع الطلب عليهما وصاحب ذلك زيادة في المعروض مما أدى إلى انخفاض الأسعار بصورةٍ كبيرة. ولا يتوقع أن يتغير هذا الوضع حتى بعد انتهاء الأزمة كما لم تقرر أوبك+ خفض الإنتاج. وتأثر أيضًا قطاع صناعة السيارات بسبب الانخفاض الكبير في الطلب الذي شهده السوق الصينية وتعطل سلاسل الإمداد في الصين أيضًا وفي باقي أجزاء آسيا وأوروبا.

    ووجهت " ماكينزي"  في تقريرها نصيحتها إلى الحكومات بضرورة اتخاذ إجراءات اقتصادية سريعة للحد من تأثير الأزمة الحالية على الأرواح والأرزاق، إذ لا يوجد لديها متسع من الوقت للتأخير. ويساعد التوسع في إجراء الاختبارات في معرفة مدى انتشار المرض في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بدقة، بالإضافة إلى أن التعلم من تجارب الدول الأخرى وإجراءاتها، مثل قواعد تنفيذ التباعد الاجتماعي، وإنشاء محطات للفحص، وتوفير الرعاية الصحية عن بعد، يساعد في السيطرة على الفيروس سريعًا والعودة إلى العمل مجددًا.

    ولخصت ماكينزي في تقريرها الآراء التي على الحكومات تنفيذها في خمسة عناصر، أولها التعامل مع التحديات العاجلة المرتبطة بكوفيد-19 والتي تتضمن تكليف الموظفين بالعمل من المنزل ووضع قواعد لتنظيم هذا العمل وتقييم الموظفين والتعامل مع المشكلات التي تضرب سلاسل الإمداد.

    أما العنصر الثاني فهو التعامل مع التحديات قصيرة الأجل التي ترتبط بإجراءات الإغلاق التي تُنَفذ للسيطرة على تفشي الفيروس، ويتضمن ذلك التعرف على عوامل الخطورة وترتيبها ووضع سيناريوهات مناسبة لهذه التحديات واختبارها وتحديد الإجراءات المطلوبة ويأتي العنصر الثالث الذي يتضمن وضع خطة تفصيلية للعودة إلى العمل مرةً أخرى بعد انحسار الفيروس. ويبدأ تنفيذ هذه الخطة عندما نشهد انخفاضا مستمرا في الحالات المكتشفة وعدم وجود انتشار مجتمعي وتوافر التحاليل المخبرية اللازمة للتشخيص بصورةٍ كبيرة وتوافر التحاليل المخبرية اللازمة للكشف عن الأجسام المضادة والتي تشير إلى وجود مناعة وتوافر لقاح فعال. وعندما يبدأ تنفيذ الخطة، علينا أن نضمن قياس الحرارة إجباريًا للعاملين في أماكن عملهم ووجود وسيلة تساعدهم على غسل أيديهم بانتظام. وإجراء اختبارات للتشخيص لركاب الطائرات وللأطقم قبل بداية الرحلات، وتوفير المطهرات في متاجر التجزئة.

    ويتضمن العنصر الرابع فهم الدروس المستفادة من المرحلة الحالية، مثل إدراك أن الحكومات التي لا تتعامل بكفاءة مع الأزمات التي تواجه الاقتصاد تعاني من ركود كبير وكلما زادت سرعة الإجراءات التي تتخذها الحكومات تكون النتائج أفضل، والاهتمام بالخدمات الافتراضية للاستفادة من تغير سلوك المستهلكين. ويتضمن العنصر الخامس تقييم البيئة التنظيمية والتنافسية داخل القطاعات المختلفة.

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن