تقوية الإرادة الذاتية .. والحياة الطيبة

  •        بقلم : د . ياسر بهاء

    هناك طرق وأمثلة بسيطة لتقوية الإرادة الذاتية ويمكن عرض ثلاثة منها فيما يلي:

    1-   الاستحمام بالماء البارد: عندما بدأت في الاستحمام بالماء البارد كانت أصعب فترة هي أول دقيقتين ولكن بمرور الوقت يبدأ الجسم في التعامل مع الوضع بألم أقل وقد أصل إلى مرحلة الاستمتاع بنهاية فترة الاستحمام. وبالتالي تعلمت أن نفس المشاعر تنتابني عند مقاومة كل ما هو في مصلحة تحقيق ما أسعى إليه ولكنه في نفس الوقت ليس مريحاً في القيام به وبالتالي تطبيق نفس الاستراتيجية والبدء فيما يجب عمله بغض النظر عن رغتبي فيه أم لا والشعور بالألم في البداية، غالباً ما ستكون الأمور جيدة فيما بعد وتصل إلى مرحلة الشعور بالإنجاز بمجرد الانتهاء مما كنت أقاومه في البداية. إذن مواجهة عدم الراحة لفترة بسيطة هو الثمن للشعور بالإنجاز لفترة طويلة فيما بعد. يجب الأخذ في الاعتبار بأنه ليس من الضروري الاستحمام بالماء البارد طول العمر فليس الهدف من تنمية قوة الإرادة هو الشعور بالألم لمدة طويلة ولكن يمكن القيام بذلك لمدة أسبوعين أو أقل فقط كتجربة قصيرة الأجل ولمعرفة واستكشاف الحدود التي يمكن الوصول إليها وتخطيها والمرور بمرحلة "أن الماء بارد جداً" ثم "يمكن تحمله" وبعدها "ليس بسيئ" ثم "فلنفعلها ثانية". ونستخلص من ذلك أنه يمكن اتباع نفس الاستراتيجية في مواقف أخرى مشابهة مثل معظم الأنشطة التي تتطلب مجهودا بدنيا كممارسة الرياضة والتأكد من أن المرور بهذه المراحل أمر طبيعي ومتوقع.

    2-   الصوم: مثل الاستحمام بالماء البارد، يساعد الصوم على بناء الانضباط الذاتي ولكن مع اختلاف المدة، فالاستحمام بالماء البارد قد لا يتعدى خمس دقائق ولكن الصوم يتراوح ما بين 14 إلى 16 ساعة حتى يستطيع الجسم الاستفادة منه. للصوم فوائد عديدة على كفاءة الجسم والعقل والقلب وتقوية أدائهم بشكل ملحوظ. يساعد الصوم أيضاً على بناء عادات صحية جيدة وقد يكون أحد أسباب خسارة الوزن إذا ما تم التعامل مع فترة ما بعد الصوم بشكل سليم وصحي. عند التعود على الصوم تتطور القدرة لدرجة عدم الشعور بالجوع المفرط كما كان في بداية أيام الصوم وبالتالي وضع جدول ثابت للصوم يساعد على الاحتفاظ بتلك النتائج الصحية والنفسية لمدة طويلة طالما أصبح الصوم من الممارسات الأصيلة في الجدول الأسبوعي والشهري. قد تصل لمرحلة بعد فترة من الالتزام بجدول منتظم للصوم أن تشعر بالدهشة عندما يخبرك أحد أصدقائك بأنه يتضور جوعاً بعد تناول وجبة الإفطار بساعتين أو ثلاث في حين تستطيع أنت عدم تناول الطعام لمدة 14 ساعة متواصلة دون الشعور بذلك المستوى من الاحتياج إلى الطعام. يمكن اتباع أحياناً بعض الطرق البديلة والأقل احتياجاً لإرادة قوية مثل الصوم من السادسة مساء وحتى السادسة صباحاً والتي تتخللها فترة النوم مما يقلل مشاعر الجوع ولكن الحصول على نتيجة صحية مشابهة للصوم خلال ساعات النهار العادية. يمكن أيضاً التوقف عن تناول الطعام فترات معينة خلال اليوم أو حذف وجبة من الوجبات الأساسية أو تغيير نمط الأكلات أحياناً. وفي النهاية يمكن اختيار ما يتناسب مع احتياجاتك الصحية من تلك الأنظمة المختلفة في الصوم ما دام الأمر في نطاق الاختيار.

    3-   تخطي شعور التعب الأولي: أخبر جون بانستر الذي يعتبر أول شخص في التاريخ يمكنه الانتهاء من الجري لمسافة ميل واحد في أقل من أربع دقائق أن العقل وليس القلب أو الرئتين هو العضو الأهم في الجسم لتحقيق ذلك الإنجاز التاريخي. أثبت العديد من الدراسات أن التعب هو شعور وليس العلامات التي تحدث في الجسد مثل العرق أو التنفس السريع وبالتالي يمكن تعلم الانضباط الذاتي عند ظهور علامات التعب الأولى واكتشاف المدى الذي يمكن الوصول إليه بعد ظهور تلك العلامات. التمارين الرياضية هي أهم الممارسات التي يمكن تطبيق تلك الاستراتيجية فيها حيث يمكن تخطي مرحلة الشعور الأولي بالتعب عند ممارسة بعض التمارين الرياضية – في حدود المحافظة على سلامتك وتحت إشراف المختصين – فالكثير من التمارين الرياضية تتطلب تخطي مرحلة الشعور بالتعب مما يؤثر على العضلات بشكل إيجابي وتبدأ في النمو الطبيعي لها حيث إن نمو تلك العضلات لا يحدث في حالة توقف التمرين بمجرد الشعور بالتعب ولكنها تنمو نتيجة الاستمرار في التمرينات بعد ظهور الرغبة في التوقف نتيجة الشعور الأولي بالتعب. ومن هنا سنجد أن العقل وليس الشعور بالتعب هو غالباً السبب وراء عدم تحقيق الكثير مما يفوق ما اعتدنا عليه. حاول أن تنهي مسافة الجري التي اعتدت عليها في مدة أقصر أو الجري لمسافة أطول في نفس المدة المخصصة للجري وذلك لاستكشاف إمكانياتك غير المحدودة بطرق مختلفة ومن وقت لآخر ولكن مع الأخذ في الاعتبار معايير الأمن والسلامة والصحة حتى لا يكون بناء قوة الإرادة والانضباط الذاتي على حساب أذى أو ضرر جسدي نتيجة تخطي الحدود بشكل مفاجئ وكبير فكما أشرنا سابقاً أن الزيادات المستمرة البسيطة أفضل من الزيادات الكبيرة والمتقطعة فقليل مستمر خير من كثير منقطع. فتخطي الحدود المعتاد عليها عند الشعور الأولي بالتعب يساعد على زيادة حدود الإمكانيات الحالية ووضع حدود أعلى لتلك الإمكانيات وبالتالي تأكيد القدرة على تخطي هذه المشاعر في مواقف مشابهة عند التعرض لبعض الضغوط المفاجئة.

    وفي النهاية عندما تستطيع أن تتخطي مشاعر التعب والإرهاق الأولي والقدرة على الصوم لفترات طويلة والقيام بالاستحمام بماء بارد سيكون عليك من السهل مقاومة قطعة من الشيكولاتة مهما كانت الظروف. إذاً بناء القدرة على الانضباط الذاتي مع قوة الإرادة الذاتية هو السر في الوصول إلى ما نسعى لتحقيقه مهما كانت المشتتات أو المعوقات سواء الداخلية من مشاعر وأفكار ومعتقدات أو خارجية وهنا فقط تبدأ مشاعر جديدة في الدخول إلى حيز مشاعرنا مثل الإنجاز والثقة والتحكم في النفس ومعها النجاح وأخيراً الحياة الطيبة.

     

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن